وهذا لا يبعد كثيراً عن مسئلتنا حيث إن في مسألتنا مصلحة إحياء نفس ومصلحة درء المفسدة عن المريض الميئوس من شفائه، فدرء المفسدة عن المريض الميئوس من شفائه مقدمة على مصلحة المريض الذي يحتاج إلى هذه الأجهزة وعلى الأخير الصبر؛ لأن صبره على المرض أقل مفسدة من الإقدام على نزع الأجهزة عن مريض قد يكون هذا النزع مميتاً له.
ومما يدل على عظم مفسدة القتل قول بعض العلماء: إذا وكل وكيلاً في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل أو أخبره فاسقٌ بالعفو فلم يصدقه وأراد الاقتصاص فللفاسق أن يدفعه بالقتل إذا لم يمكن دفعه إلا به دفعاً لمفسدة القتل من غير حق (?) .
قلت: وفي نزع الأجهزة من الأول نوع من القتل بغير حق وهو أمر عظيم، كيف وقد قال هؤلاء البعض من العلماء: إن للفاسق دفع الوكيل البريء ولو بالقتل خوفاً من وقوع القتل بغير حق. قلت: وفي دفع الفاسق للوكيل ولو أدى إلى القتل نوع من القتل بغير حق أيضاً. والله أعلم.
ومما يدل على استعظام مباشرة القتل ولو لنفسه ما ذكره ابن رجب في القواعد ص 247 رقم 112 حيث قال: إذا ألقي في السفينة نار واستوى الأمران في الهلاك أعني المقام في النار وإلقاء النفوس في الماء فهل يجوز إلقاء النفوس في الماء أو يلزم المقام على روايتين. والمنقول عن أحمد في رواية مهنا أنه قال: أكره طرح نفوسهم في البحر. وقال في رواية أبي داود: يفعل كيف شاء، قيل له: هو في اللج لا يطمع في النجاة. قال: لا أدري، فتوقف. ورجح ابن عقيل وغيره وجوب المقام مع تيقن الهلاك فيها؛ لئلا يكون قاتلاً لنفسه بخلاف ما إذا لم يتيقنوا ذلك لاحتمال النجاة بالإلقاء ".