فهاهنا نوعان من الفقه، لابد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع أحوال حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع.
والحكم بالقرينة حكم بالأمارات لا بالفراسة وعمل بغلبة الظن.
والقرائن أنواع فمها الضعيفة والقوية وما نص عليها في القرآن والسنة أو عمل بها الصحابة أو نص عليها الفقهاء وما ليس كذلك فلا يعمل بكل قرينة ولو كانت ضعيفة.
البينة ليست مقصورة على الشاهدين:
والمقصود أن الشارع لم يقف الحكم في حفظ البينة على شهادة ذكرين، لا في الدماء ولا في الأموال ولا في الفروج ولا في الحدود، بل قد حد الخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم في الزنا بالحبل، وفي الخمر بالرائحة والقيء، وكذلك إذا وجد المسروق عند السارق كان أولى بالحد من ظهور الحبل والرائحة في الخمر،وكل ما يمكن أن يقال في ظهور المسوق أمكن أن يقال في الحبل والرائحة، بل أولى فإن الشبهة التي تعرض في الحبل من الإكراه ووطء الشبهة، وفي الرائحة لا يعرض مثلها في ظهور العين المسروق،والخلفاء الراشدون والصحابة (رضي الله عنهم) لم يلتفتوا إلى هذه الشبهة التي تجيز غلط الشاهد ووهمه وكذبه أظهر منها بكثير، فلو عطل الحد بها لكان تعطيله بالشبهة التي تمكن في شهادة الشاهدين أولى،فهذا محض الفقه والاعتبار ومصالح العباد، وهو من أعظم الأدلة على جلالة فقه الصحابة وعظمته ومطابقته لمصالح العباد، وحكمة الرب وشرعه، وأن التفاوت الذي بين أقوالهم وأقوال من بعدهم كالتفاوت بين القائلين.