وأما إذا كان المالك ينقل هذه المنفعة إلى آخر على سبيل التأبيد، فإنه بيع لتلك المنفعة، وذكره الفقهاء الحنفية باسم بيع الحقوق المجردة أيضا. وقد اختلفت أنظار الفقهاء في جواز هذا البيع، فمنهم من أجازه مطلقا، ومنهم من منعه مطلقا، ومنهم من أجازه في بعض الحقوق، ومنعه فبعضها، ونريد أولا أن نذكر الصور التي ذكرها الفقهاء لهذا القسم من الحقوق، واحدة بعد أخرى، مع ما قال فيها الفقهاء، ثم نصل إلى القول الفصل في الباب إن شاء الله تعالى، والله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب.

والصور التي ذكرها الفقهاء من هذا القسم هي: حق المرور، حق التعلي، حق التسييل، حق الشرب، حق وضع الخشب على الجدار، وحق فتح الباب. فالمشهور عند الحنفية أن هذه الحقوق حقوق مجردة لا يجوز بيعها، والمعروف في كتب الأئمة الثلاثة جواز الاعتياض عن أكثر هذه الحقوق.

وعمدة الخلاف في هذا الباب تعريف البيع، فمن عرف البيع بمبادلة المال بالمال وخص المال بالأعيان، منع بيع الحقوق المجردة، لأنها ليست أعيانا، ومن عمم تعريف البيع بما يشمل المنافع أجاز بيعها.

فأما الشافعية فتعريف البيع عندهم شامل لبيع المنفعة على سبيل التأبيد، فقد عرفه ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى بقوله: عقد يتضمن مقابلة مال بمال بشرطه الآتي لاستفادة ملك عين أو منفعة مؤبدة"وقال الشرواني تحته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015