أما الإستجرار بثمن مؤخر فهو ما ذكره الحصكفي في الدر المختار بقوله: (ما يستجره الإنسان من البياع إذا حاسبه على أثمانها بعد استهلاكها) وحاصله أن الرجل يتفاهم مع صاحب الدكان ولا تقع بينهما مساومة بل يعطيه البياع الشيء المطلوب بدون ذكر الثمن ولا تلفظ الإيجاب والقبول فيستعمله المشتري وفي نهاية الشهر مثلا يحاسبه بكل ما أخذ ويعطيه الثمن دفعة واحدة.
والقواعد المعروفة تأبى جواز هذا البيع لأننا إن قلنا بانعقاد هذا البيع عندما استلم المشتري شيئا من هذه الأشياء فإنه بيع ثمن مجهول لأنه لم تقع بينهما مساومة ولا بيان ثمن وإن قلنا: إن البيع ينعقد عند تصفية الحساب فإن المبيعات عندئذ معدومة مستهلكة وهذا يتضمن محظورين الأول: أن يقع الإستهلاك من المشتري قبل أن يقع الشراء من المالك والثاني: أن يقع بيع ما هو معدوم. ومن هنا صرح بعض الفقهاء بعدم جواز هذا البيع وهو مذهب عامة الشافعية. وقال النووي رحمه الله تعالى:
(فأما إذا أخذ منه شيئا ولم يعطه شيئا ولم يتلفظا ببيع بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من فهذا باطل بلا خلاف لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة ولا يعد بيعا فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه ولا نغتر بكثرة من يفعله فان كثيرا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف لما ذكرناه) (?)
ويبدو أن مذهب الشافعية أقل المذاهب مرونة في بيوع التعاطي