ويسلم ذلك المبلغ إلى المصرف، ليصرفه بالنيابة عنه إلى تلك الجهات. فإن قصر المدين في الأداء لزمه أداء هذه المبالغ إلى المصرف، ولكن هذه المبالغ لا تكون مملوكة للمصرف، ولا تكون جزءا من دخله أو ربحه، وإنما تكون أمانة عنده للصرف إلى الجهات الخيرية. وإن هذا الاقتراح إنما يفيد للضغط على المدين في أداء الدين في وقته، ومن المرجو أن هذا الضغط يؤثر في سد باب المماطلة أكثر مما يؤثر فيه اقتراح التعويض، لأن مقدار هذا التبرع الملتزم به لا يجب أن يكون بمقدار الأرباح الحاصلة في حساب الاستثمار في مدة المماطلة، بل يمكن أن يكون أكثر من ذلك، ولا بأس بتعيين مقداره على أساس نسبة معينة من مبلغ الدين، بما يجعل المدين يحتفظ بمواعيد الأداء. وفي الوقت نفسه لا يعتبر هذا التبرع ربا، لأنه لا يدخل في ملك المصرف شيئا، بل يصرف إلى الجهات الخيرية، ويمكن أن ينشأ لذلك صندوق خاص لا يكون مملوكا للمصرف، بل يكون وقفا على بعض المقاصد الخيرية يتولاه أصحاب المصرف، ويكون من مقاصده أن يقدم منه قروض حسنة لأصحاب الحاجة.

وأما المستند الشرعي لهذا الالتزام، فإن الالتزام بالتبرع جائز، عند جميع الفقهاء، وإن مثل هذا التبرع يلزم في القضاء أيضا عند بعض المالكية. والأصل عند المالكية أن الالتزام إن كان على وجه القربة، فإنه يلزم الملتزم في القضاء باتفاق علمائهم. أما إذا كان الالتزام على وجه اليمين، بمعنى أن يكون معلقا على أمر يريد الملتزم الامتناع عنه، ففي لزومه في القضاء خلاف. فذهب بعضهم إلى أنه لا يقضي به في الحكم، وخالفهم آخرون، فجعلوه لازما في القضاء، وقد تكلم الحطاب رحمه الله على هذه المسألة ببسط في كتابه (تحرير الكلام في مسائل الالتزام) وقال فيه: (أما إذا التزم المدعى عليه للمدعي أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه، لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان الشيء معينا أو منفعة ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015