فإنه يجوز له ذلك أيضا بالشرط المذكور، وذلك أن كسب المعاش فريضة بعد الفريضة، ولم يقيده الشرع بمكان دون مكان، فقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِيْ مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُوْرِ} .
ولو تجنس مسلم بهذه الجنسية لدعوة أهلها إلى الإسلام، أو لتبليغ الأحكام الشرعية إلى المسلمين المقيمين بها، فإنه يثاب على ذلك، فضلا عن كونه جائزا، فكم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم توطنوا بلاد الكفار لهذا الغرض المحمود وعد ذلك من مناقبهم وفضائلهم.
أما إذا كان الرجل تتيسر له وسائل المعاش في بلده المسلم على مستوى أهل بلده، ولكنه هاجر إلى بلاد الكفار للاستزادة منها، والحصول على محض الترفه والتنعم، فإن ذلك لا يخلو من كراهة، لما فيه من عرض النفس على المنكرات الشائعة هناك، وتحمل خطر الانهيار الخلقي والديني من غير ضرورة داعية لذلك، والتجربة شاهدة على أن الذين يتجنسون بهذه الجنسيات الأجنبية لمجرد الترفه، ينتقص فيه من الوازع الديني، فيذوبون أمام الإغراءات الكافرة ذوبانا ذريعا، ومن هنا ورد في الحديث النهي عن مساكنة المشركين بدون حاجة ملحة.
أخرج أبو داود عن سمرة بن جندب، قال: أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من جامع المشرك، وسكن معه فإنه مثله)) أخرجه أبو داود قبيل كتاب الضحايا، وعلقه الترمذي في السير.
أخرج أبو داود، والترمذي عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: لا تراءى ناراهما)) . قال الخطابي في شرحه: "فيه وجوه: أحدها معناه، لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم، وقال بعضهم: معناه أن الله