ولكن الحق أن هذا الدليل لا ينطبق على القواعد الشرعية بحال من الأحوال، لأن القروض يجب في الشريعة أن تقضى بأمثالها، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، حتى القائلين بجواز ربط القروض بالأسعار، فبقي الآن تعيين معنى المثلية. فالسؤال الأساسي هنا: هل يجب أن تتحقق هذه المثلية في القدر (أي الكيل، والوزن، والعدد) أو في القيمة والمالية؟ والذي يتحقق من النظر في دلائل القرآن والسنة ومشاهدة معاملات الناس، أن المثلية المطلوبة في القرض هي المثلية في القدر والكمية، دون المثلية في القيمة والمالية.
ويدل على ذلك دلائل:
1- لو اقترض الرجل صاعا من الحنطة، قيمتها يومئذ خمس روبيات مثلا، فلم يؤدها إلى المقرض إلا بعد ما صارت قيمتها ربيتين فحسب، فإنه لا يرد إلى المقرض إلا صاعا واحدا، رغم أن مالية الصاع الواحد قد انتقصت من خمس ربيات إلى ربيتين، وهذا بإجماع الفقهاء قديما وحديثا، ولا يقول في ذلك أحد: إن رد الصاع الواحد فقط بعد انتقاص ماليته ظلم على المقرض، فينبغي أن تضاف إلى الصاع زيادة بنسبة نقصان قيمته، وهذا من أوضح الدلائل على أن المثلية المعتبرة في القرض إنما هي المثلية في المقدار، لا في القيمة والمالية.
وربما يقال جوابا عن هذا: إن الحنطة بضاعة لها مالية في حد ذاتها، فلا تقاس عليها النقود الورقية التي ليست لها قيمة أو مالية ذاتية، ولكن هذا الجواب خلط للبحث، لأن السؤال هنا عن تعيين معنى المثلية المطلوبة في القرض، فما دامت المثلية المطلوبة هي المثلية في المقدار دون القيمة والمالية، فليس هناك فرق جوهري بين الحنطة والنقود في هذا المجال، لأن لكل منهما مقدارا، وقيمة، فإن كانت المثلية المقلوبة في الحنطة هي المثلية في المقدار، فلتن المثلية المطلوبة في النقود مثلية المقدار كذلك. ولو اعتبر تفاوت القيمة والمالية هدرا في الخطة فليكن