أما إذا أمضى القاضي أو الناظر نزوله، وفرغ عن وظيفته فعلا، ولكن القاضي أو الناظر لم يقرر المنزول في مكانه، بل قرر رجلا ثالثا، فالقواعد تقتضي أن لا يستحق المنزول له الرجوع على النازل. وذلك لأن الفقهاء لم يجوزوا الاعتياض عن حق الوظيفة عن طريق البيع، وإنما جوزوه عن طريق الصلح والتنازل. ولا فرق بين بيع الحق والتنازل عنه بمال، إلا أن البيع ينقل إلى المشتري ما كان يملكه البائع، والتنازل لا ينقل الملك إلى المنزول له، وإنما يسقط النازل حقه، وليست فائدته في حق المنزول له إلا لزوال المزاحمة من قبل النازل. وقد تحدث الإمام القرافي عن الفرق بين قاعدة النقل وقاعدة الإسقاط بوضوح، قال رحمه الله تعالى: (اعلم أن الحقوق والأملاك ينقسم التصرف فيها إلى نقل وإسقاط، فالنقل ينقسم إلى ما هو بعوض في الأعيان، كالبيع والقرض؛ وإلى ما هو المنافع، كالإجارة والمساقاة والمزارعة والقراض والجعالة؛ وإلى ما هو بغير عوض، كالهدايا والوصايا والعمري والوقف والهبات والصدقات والكفارات والزكاة والمسروق من أموال الكفار والغنيمة في الجهاد، فإن ذلك كله نقل ملك في أعيان بغير عوض. وأما الإسقاط فهو إما بعوض كالخلع، والعفو على مال والكتابة وبيع العبد من نفسه والصلح على الدين والتعزيز، فجميع هذه الصور يسقط فيها الثابت، ولا ينتقل إلى الباذل ما كان يملكه المبذول له من العصمة وبيع العبد ونحوهما) (?) .