وتوجيه الكلام إلى أهل الشام يوحي بأن التزام الإسناد في مراكز العلم الأخرى كان أكثر بحيث بدا أهل الشام متساهلين في ذلك فنبههم الزهري إلى تقصيرهم فأصبحوا يسندون أحاديثهم، ولا يعني هذا أن الإسناد لم يكن موجودا قبل الزهري، فقد كان بدء السؤال عن الإسناد في عهد الصحابة ثم عند كبار التابعين. لكنه في جيل الزهري أصبح الالتزام بالإسناد قويا، لذلك فإن تفسير شاخت للفتنة التي وردت في قول ان سيرين بأنها الفتنة في زمن الوليد بن يزيد سنة 126هـ تخمين ترفضه الأدلة. وقد رفض روبسون هذا التفسير للفتنة وذهب إلى أن المقصود فتنة ابن الزبير (في حدود سنة 72هـ) عندما أعلن نفسه خليفة، ويستند روبسون على إطلاق مالك كلمة "الفتنة" على حركة ابن الزبير (الموطأ: كتاب الحج 99". وهذا التفسير -في رأيه- يتفق مع عمر بن سيرين الذي كانت ولادته سنة 33هـ مما يجعله -عند حدوث فتنة ابن الزبير- بعمر يمكنه من الكلام بإدراك وإطلاع عما حدث في هذه الفترة, ويرى روبسون أن ما توصل إليه في تفسير الفتنة يؤيد نظرية هوروفتس التي تقول بأن الإسناد أدخل في أدب الحديث في الثلث الأخير من القرن الأول1.
ورغم أن ما ذهب إليه روبسون في تفسير الفتنة معقول أكثر من رأي شاخت فقد قدم روبسون ظهور الإسناد نصف قرن عما حدده شاخت إلا أن ما استند إليه روبسون من أدلة لا يمكن أن يعتبر قاطعا، فالتوافق في استعمال الفتنة في كلام ابن سيرين ومالك لا يمكن أن يتخذ دليلا؛ لأن كلمة الفتنة أطلقت على كثير من الانشقاقات والحروب الداخلية بين المسلمين، كذلك فإن تقدير عمر بن سيرين للإفادة منه في تفسير كلامه لا يمكن الاعتماد عليه فابن سيرين قد يتكلم عن أحداث بعيدة عن عصره معتمدا على دراسته لتأريخ الذي عني به كثيرا.