رأي العلماء في تعارض هذه الأحاديث:

لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث خشية اختلاطه بالقرآن الكريم الذي لم يكن قد جمع بعد، وكذلك خشية انشغال المسلمين بالحديث عن القرآن وهم حديثو عهد به، وإلى ذلك ذهب الرامهرمزي "ت360هـ" بقوله تعقيبا على حديث أبي سعيد الخدري: "وحديث أبي سعيد: حرصنا أن يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب فأبى، فأحسبه أنه كان محفوظا في أول الهجرة، وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن"1 وأما أبو سليمان الخطابي "ت388هـ" فقال: وجهه -والله أعلم- أن يكون إنما كره أن يكتب شيء مع القرآن في صحيفة واحدة أو يجمع بينهما في موضع واحد تعظيما للقرآن وتنزيها له أن يسوى بينه وبين كلام غيره2.

ولذلك فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة المتقنين للكتابة أن يكتبوا الحديث مثل عبد الله بن عمرو بن العاص حيث اطمأن إلى عدم خلطه القرآن بالحديث. وذهب بعض العلماء -ورأيهم ينسجم مع ما ذكر آنفا- إلى أن أحاديث السماح بالكتابة نسخت أحاديث النهي عنها، وذلك بعد أن رسخت معرفة الصحابة بالقرآن فلم يخش خلطهم له بسواه، وممن ذهب إلى النسخ من المتقدمين ابن قيتة الدينوري3 ومن المعاصرين الشيخ أحمد محمد شاكر4.

وهذا الرأي لا يتعارض مع تخصيص بعض الصحابة مثل عبد الله بن عمرو بالإذن في وقت النهي العام لأن إبطال المنسوخ بالناسخ لا علاقة له ولا تأثير في تخصيص بعض أفراد العام قبل نسخه5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015