سبق لنا أن ذكرنا مراراً أن الْحَدِيْث النبوي يحتاج إلى متابعة ومذاكرةٍ وتكرارٍ من أجل حفظ الروايات وصونها من الخطأ والزيادة والنقص، وأن ترك ذَلِكَ يؤول في نهاية المطاف إلى عدم ضبط الأحاديث ودخول الوهم والاختلاف فِيْهَا فِيْمَا بعد. ومن الأمور الَّتِيْ حَدَتْ ببعض الْمُحَدِّثِيْنَ للتقصير في ضبط مروياتهم انشغال بعضهم بالعبادة وصرف غالب أوقاتهم بِذَلِكَ دون متابعة ضبط رواياتهم. وَقَدْ أصل ابن رجب في ذَلِكَ قاعدة فَقَالَ: ((الصالحون غَيْر العلماء يغلب عَلَى حديثهم الوهم والغلط)) (?) .
والحافظ ابن رجب إنما أخذ ذَلِكَ من أقوال أئمة هَذَا الشأن العارفين بعلله الغواصين في معانيه وأسراره قَالَ نجم العلماء (?) مالك بن أنس: ((أدركت بهذا البلد
- يعني الْمَدِيْنَة - مشيخة لَهُمْ فضلٌ وصلاحٌ وعبادة يحدِّثون، ما سَمِعْتُ من واحد مِنْهُمْ حديثاً قطُّ، فقيل لَهُ: وَلِمَ يا أبا عَبْد الله؟ قَالَ: لَمْ يكونوا يعرفون ما يحدِّثون)) (?) . وَقَالَ أَيْضاً: ((لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذَلِكَ، لا يؤخذ من سفيه مُعلن بالسَفه وإن كَانَ أروى الناس، ولا يؤخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس، إذا جرب ذَلِكَ عَلَيْهِ، وإن كَانَ لا يُتَّهَمُ أن يكذب عَلَى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخٍ لَهُ فضلٌ وعبادة إذا كَانَ لا يعرف ما يحدّث بِهِ)) (?) .