وفي كُلّ الأحوال فإن التفرد بحد ذاته لا يصلح ضابطاً لرد الروايات، حَتَّى في حالة تفرد الضعيف لا يحكم عَلَى جميع ما تفرد بِهِ بالرد المطلق، بَلْ إن النقاد يستخرجون من أفراده ما يعلمون بالقرائن والمرجحات عدم خطئه فِيْهِ، وَهُوَ ما نسميه بعملية الانتقاء، قَالَ سفيان الثوري: ((اتقوا الكلبي (?) ، فقيل لَهُ: إنك تروي عَنْهُ، قَالَ: إني أعلم صدقه من كذبه)) (?) .
ومثلما أن تفرد الضعيف لا يرد مطلقاً، فكذلك تفرد الثقة – وكما سبق في كلام ابن رجب – لا يقبل عَلَى الإطلاق، وإنما القبول والرد موقوفان عَلَى القرائن والمرجحات. قَالَ الإمام أحمد: ((إذا سَمِعْتَ أصحاب الْحَدِيْث يقولون: هَذَا حَدِيْث غريب أَوْ فائدة. فاعلم أنه خطأ أو دخل حَدِيْث في حَدِيْث أَوْ خطأ من المُحدِّث أَوْ حَدِيْث ليس لَهُ إسناد، وإن كَانَ قَدْ رَوَى شعبة وسفيان، فإذا سمعتهم يقولون: هَذَا لا شيء، فاعلم أنه حَدِيْث صَحِيْح)) (?) .
وَقَالَ أبو داود: ((والأحاديث الَّتِيْ وضعتها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير، وَهُوَ عِنْدَ كُلّ من كتب شَيْئاً من الْحَدِيْث، إلا أن تمييزها لا يقدر عَلَيْهِ كُلّ الناس، والفخر بِهَا: بأنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب، وَلَوْ كَانَ من رِوَايَة مالك
ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم)) (?) .