ثالثاً: مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً؟ أو تحسن من حال الراوي؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين، الأول: إبطال ما قعداه، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما، ألا وهي رواية الجمع، فقد كررا القول مراراً: ((روى عنه جمع)) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا؟ .
أقول: لا بد في كل راوٍ – لكي تقبل روايته – من معرفة حاله، وخبرة سيرته حتى يتسنى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم، وهم الذين يدعون (بالمجاهيل) وليسوا في طبقة واحدة، بل المشهور أنهم ثلاثة: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى (مجهول الحال) ، ومجهول العين.
وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور:
الأول: إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة، بل غاية نفعها أن أزالت عنه شيئاً من جهالته، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها.
الثاني: إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة، وقد نص الخطيب البغدادي وغيره على ذلك، فقال: أقل ما ترتفع به الجهالة – يعني: جهالة العين – أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك؟ …إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه)) (الكفاية: ص:150) .