وهذا المنحى من الحافظ قائم على أساس تصحيحه لاختيار أبي الحسن القطان في أن من زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبلَ وإلا فلا (?) . خلافاً للقاعدة المشهورة عند جمهور المحدثين في اشتراط راويين لرفع الجهالة (?) فإذا انتفى التعديل عدنا بالراوي إلى الأصل فيه وهو جهالته، وقد نص الحافظ على هذا، فقال في مقدمة التقريب: ((التاسعة: مَن لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مجهول)) (?) ، فتعديل واحد من النقاد لهؤلاء " الوحدان " – كما هو معروف في اصطلاح أهل الحديث – قائم عند الحافظ مقام الراوي الثاني، المشترط عند الجمهور في رفع الجهالة.
فإذا علمنا هذا وجب علينا أن نجعل اصطلاح الحافظ نصب أعيننا إذا ما رمنا تعقبه، وكذلك الحال مع كل إمام له اصطلاح على أمر خاص به، ولا يصح بحال من الأحوال محاكمته إلى غيرها، وإن كانت قواعد مشهورة قال بها الجمهور، وإلا كان هذا من باب المشاحة في الاصطلاح، وهي مسألة غير مقبولة عند الجميع.
وهذا الفهم الصحيح السديد – إن شاء الله – كان حظه الغياب من ذهن المحررين، لذا نجدهما تخبطا إزاء الموقف ممن يقول فيه الحافظ: ((مقبول)) فتارة يوثقانه، وأخرى يجهلانه، وثالثة يصفاه بالصدوق الحسن الحديث ورابعة يضعفانه، فكان هذا الموقف المتصلب من الحافظ وأحكامه من أدل الأدلة على أن المحررين لم يكونا ذوي منهج واحد، متصف بالأصالة والإنصاف، فكانت النتيجة أن جاء تحريرهما مشحوناً بألوان التناقض، ويتضح لك هذا جلياً من خلال الإحصائية الآتية: