بإقراره ولا يحكم به إلا بعد أن يسأله المدعي الحكم لأنه الطالب فيقول القاضي: قد أقر لك بما ادعيت فماذا تريد؟ ولا يقول له: قد سمعت إقراره لأن قوله قد أقر حكم بصحة الإقرار بخلاف قوله: سمعت إقراره، فإن لم يطالب المدعي بالحكم أمسك عنه وصرفهما وكان للمدعي أن يتخير من القاضي محضرًا بثبوت الحق دون الحكم به ولم يكن له ملازمة المقر قبل الحكم، وإن سأله الحكم عليه بإقراره حكم بثلاثة ألفاظ: قد حكمت عليك بإقرارك، أو ألزمتك ما أقررت به، أو أخرج إليه من حقه، وليس له مطالبته بكفيل إلا أن يتفقا عليه عن تراض. ولا يسقط حقه من ملازمته بإقامة الكفيل سواء كفل بنفسه أو بماله لأن الكفالة وثيقةً فلم تمنع الملازمة كما لم تمنع المطالبة، فإن اتفقا على تخلية سبيله عند الكفالة لم يلزم هذا الاتفاق وله أن يعود إلى ملازمته بعد تخليته لأنه حق له إلى أن يستوفي حقه. وأما القسم الثاني إذا أنكر يجوز للقاضي أن يقول للمدعي قد أنكر ويجوز أن يقول: قد سمعت إنكاره بخلافه في الإقرار لتردد الإقرار بين صحة وفساد وعدمه في الإنكار، ثم إن كان هذا المدعي عاميًا لا يعرف رسوم الحاكم، فإن كان الحاكم يقول له: أقم البينةً إن كانت لك فإن كانت له بينة [12/ 89 أ] سمعها ولا يسمعها إلا أن يقول المدعي: سلهم أيها الحاكم فإذا قال ذلك قال لهم الحاكم: ما تقولون أو ما عندكم في هذا؟ ولا يقول لهم: اشهدوا فإذا شهدوا نظر فإن كانت الشهادةً غير صحيحةً لم يحكم بها ولم يلقنهم، وقال للمدعي: زد في شهودك، وإن لم تكن له بينةً فليس له إلا يمين المدعى عليه إلا أن الحاكم لا يحلفه حتى يسأله المدعى عليه.
وإن كان المدعي ممن يعرف رسوم القضاء فالحاكم بالخيار إن شاء قال: أقم البينة إن كانت لك، وإن شاء قال قد أنكر دعواك وسكت، فإن قال: لي بينةً سمعها، وإن طلب إحلافه أحلفه بالله تعالى وقال بعض أصحابنا: القاضي في اختياره بالإنكار بائن أن يقول له: قد أنكر فماذا عندك فيه والأول أولى مع من جهل، والثاني أولى مع من علم.
واعلم أن الحكم في إنكار الدعوى موقوف على بينة المدعي في إثبات الحق بها، وعلى يمين المدعى عليه عند عدمها لإسقاط المطالبة بها وللمدعى الخيار في إقامة البينةً لأنها من حقوقه فلم يجبر على إقامتها، وللمنكر الخيار في اليمين لأنها من حقوقه فلم يجبر على الحلف بها.
فرع آخر
لو أنكر المدعى عليه وقال: ما لك عليّ فقال له المدعي: نعم، كان تصديقًا له على الإنكار وبطلت دعواه، ولو قال: بلى، كان تكذيبًا له على الإنكار ولم تبطل دعواه، والفرق أن نعم حجاب الإيجاب [12/ 89 ب] وبلى جواب النفي وهذا حكمه فيمن كان من أهل العربية وفى اعتباره فيمن كان من غير أهل العربية وجهان على ما ذكرنا في كتاب الإقرار. وأما القسم الثالث: أن لا يقر ولا ينكر فله حالتان: إحداهما: أن يكون