فرع آخر

إذا ألزم إحضار الغائب على ما بيناه لم يجز للقاضي أن يحضره إلا بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها لأنه قد يجوز أن يدعي ما لا تصح فيه الدعوى، وحكي أن رجلين تقدما إلى قاض فقال أحدهما: إن أخا هذا قتل أخي، فقال القاضي للمدعى عليه ما تقول فقال: إن غير هذا قتله غيري فماذا علىّ، وهذا جواب صحيح عن فساد هذه الدعوى وكان من صحتها أن يقول: إن أخاه قتل أخي وأنا وأرث وهذا من عاقلته لتتوجه له المطالبة بهذه الدعوى فلذلك لم يجز أن يحضر الغائب إلا بعد تحرير الدعوى بما يصح سماعها، ولو كانت الدعوى على حاضر في البلد جاز للقاضي إحضاره قبل تحرير الدعوى [12/ 86 أ] والفرق أن في إحضار الغائب مشقةً فلم تلزم إلا بعد تحرير الدعوى بخلاف الحاضر، وحكي القاضي الطبري عن ابن أبي أحمد أنه قال: إذا كان خارج المصر في موضح يتهيأ حضور المجلس والرجوع بعد المجلس إلى أهله في يومه أحضره، وإن كانت المسافة أبعد من ذلك لا يحضره إلا بعد إقامة المدعي البينةً في حقه لأنه تلحقه المشقةً في الحضور فلا يستحضر حتى يتحقق دعواه بالبينة وهذا غريب ولكنه محتمل؛ لأنه وإن يحقق الدعوى ربما لا يقدر على تمشيتها بالحجةً ولا يعجز كل أحد عن الدعوى الصحيحةً، ولو كان في موضعه رجل مستور كتب إليه حتى يتوسط بينهما حتى لا يحتاج إلى إحضاره، والأولى إن كان ذلك الرجل يصلح للقضاء يفوض إليه القضاء بينهما حتى لا يحتاج إلى إحضاره.

فرع آخر

إذا حضر الخصمان في مجلسه وأراد القاضي فصل الحكم بينهما ابتدأ المدعي بتحرير الدعوى لتنتفي الجهالةً إلا فيما يصح تمليكه كالوصايا فيجوز أن يدعيها مجهولةً فإن قيل: لو أقر لمجهول جاز فهلا جاز أن يدعي مجهولًا قلنا: الفرق أنه تعلق بالإقرار حق لغيره فلزم بالمجهول ولم يتعلق بالدعوى حق لغيره فلم يجز مجهولًا.

فرع آخر

لو كانت الدعوى بشيء في الذمة لا تحتاج إلى ذكر الموضع وإن كانت الدعوى في دار في يد المدعى عليه بين موضعها من السكةً والمحلة والناحيةً والبلد على قدر ما يتعارف أهلها من مواضع الدور [12/ 86 ب] والمحال وحدودها الأربعةً، ثم قال ادعى علي فلان ابن فلان هذا أن جميع هذه الدور بحدودها كلها أرضًا وسفلًا وعلوًا وجمع حقوقها لي وإنها في يده ظلمًا وإني أطالبه بردها علي وإنه ممتنع من ردها، وإن كانت الدعوى على ظالم يمنعه منها قال بعد التحديد: ادعى أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها ولا يحتاج في هذا إلى أن يقول: إنها في يده ولا إني أطالبه بها ولا أنه يمتنع من ردها علىّ، وكذلك الأرضون والعقار يحدها ويبين القريةً ويذكر الرستاق والكورةً والطسوج والناحيةً من البلد على قدر تعارف أهلها، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015