المنكر إلا بالشهادة لم يقبل قوله على المنكر إلا بالشهادة. وأيضاً روي أن رجلاً سب أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال أبو بردة: دعني أقوم إليه وأقتله، فقال له أبو بكر: لو أمرتك بهذا أكنت فاعله؟ قال: نعم، قال: فما كان هذا لأحد بعد رسول الله صل الله عليه وسلم ". ودليلنا ما ذكرنا ويفارق هذا الشهادة لأن للحاكم ولاية وليس للشاهد ولاية، وأما الخبر أراد به أنه لا يقتل عن سب [12/ 78 أ] أحد إلا من سب رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يرد به أن قبول القول يكون للنبي صل الله عليه وسلم خاصة دون غيره. وإن أخبر به بعد العزل لا يقبل حتى يأتي المقضي له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل لأنه بعد العزل بمنزلة واحد من الرعية ولا يقبل شهادته مع غيره أيضاً لأنه يشهد على فعل نفسه، وقال أحمد: يقبل قوله لأن عزله لا يمنع قبول قوله كما لو كتب كتاباً إلى غيره ثم عزل وهذا لا يصح لما ذكرنا، وأما الكتاب فإنما يقبل عندنا بشهادة شاهدين ويقبل حكمه أيضاً بمثل ذلك.
فرع
لو قال بعد العزل لحاكم آخر: أشهد أن فلاناً أقر في مجلس حكمي بكذا تقبل شهادته على الإقرار لا على الحكم، ولو قال: أشهد أن حاكماً عدلاً حكم عليه بكذا ففيه وجهان: أحدهما: يقبل لأنه لم يضف الحكم إلى نفسه والظاهر أنه أراد غيره، والثاني لا يقبل لأنه يحتمل أن يريد حكم نفسه ويحتمل أن يريد حكم غيره فلا يقبل مع الشك حتى يتيقن.
فرع آخر
لو حكم بعد العزل وهو لا يعلم أنه معزول قال في "الإفصاح "فيه قولان: كما نقول في تصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم فيه قولان، وقال ابن أبي هريرة في المسألتين وجهان بناءً على اختلاف القولين في الفسخ هل يلزم حكمه قبل العلم؟ وقال القفال: قال بعض أصحابنا: هنا قولاً واحداً ينفذ حكمه بخلاف الوكيل، لأن فيه ضرراً بالناس لنقض الأحكام الماضية [12/ 78 ب] وربما يشكل التاريخ وهذا اختيار الإمام أبي زيد المروزي، ولهذا لا يوجب موت الإمام عزله وهذا لأنه ناظر في حق غير المولي والوكيل ناظر في حق الموكل، وقال صاحب "الإفصاح ": ينعزل في الحال قولاً واحداً إذا قال في الكتاب: أما بعد فأنت معزول فإن قال: إذا أتاك كتابي فأنت معزول فلا شك أنه لا ينعزل ما لم يبلغه الكتاب وكذلك إذا قال: إذا قرأت كتابي فما لم يقرأ لا ينعزل، وإذا قرأ بنفسه أو قرئ عليه أو أخبر به انعزل لأن القصد في مثل هذا العلم بخلاف الطلاق فإنه تعلق بالإخطار فيجوز أن يعلق بصفته وهي القراءة بنفسها.
فرع آخر
إذا أراد الإمام عزل القاضي فأدى إليه اجتهاده إما لظهور ضعفه أو لوجود من هو أكفأ منه جاز، وإن لم يؤد اجتهاده إلى عزله لاستقلاله بالنظر في علمه على الاستقامة لم يكن له أن يعزله ولكن إن عزله انعزل، وإن كان الاجتهاد بخلافه لأن عزله حكم فلا