نعلم أن فيهم النساء والوالدان وقطع أموال بني النضير وحرقها وشن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات والتحريق".
قال في الحاوي: وهذا كما ذكر ويجوز للإمام أن يقاتل المشركين بكل ما علم أنه يفضي إلى الظفر بهم من نصب المنجنيق والعراقة عليهم، وقد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف حين حاصرها بعد فتح مكة منجنيقاً أو عرادة، ويجوز أن يشن عليهم الغارة وهم غارون لا يعلمون، قد شن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغارة على بني المصطلق عارين، ويجوز أن يقمع عليهم البيات ليلًا، ويحرق عليهم ديارهم ويلقي عليهم النيران والحيات والعقارب، ويهدم عليهم البيوت، ويجري عليهم السبل ويقطع عنهم الماء، ويفعل بهم جميع ما يفضي إلى هلاكهم، ولا يمنع من فيهم من النساء والولدان أن يفعل ذلك بهم، وإن أفضى إلى هلاك نسائهم وأطفالهن، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من فيء بني المصطلق منهم من شن الغارات عليهم، ولا من ثقيف من نصب المنجنيق عليهم، ولأن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان إنما كان في السبي المغنوم أن يقتلوا صبرًا، ولأنهم غنيمة، فأما وهم في دار الحرب، فهي دار إباحة يصبرون فيها تبعاً لرجالهم.
روى الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن دار الشرك فيصاب من نسائهم وأبنائهم، فقال: "هم منهم" يعني في حكمهم، فأما إن كان فيهم أساري مسلمين، فلا يخلو جيش المسلمين من أن يخافوا اصطدام العدو، أو يأمنوه، فإن خافوا اصطدامه جاز أن يفعل يهم ما يفضي إلى هلاكهم، وإن هلك معهم من بينهم من للمسلمين، لأن سلامة الأكثر مع تلف الأقل أولى.
وإن أمنوا اصطدامهم نظر في عدد المسلمين من الأسرى، فإن كثر وعلم أنهم لا يسلمون إن رموا كف عن رميهم وتحريقهم، وإن قلوا وأمكن أن يسلموا إن رموا جاز رميهم، وقد توفي المسلمين منهم، لأن إباحة الدار يجري عليها حكم الإباحة، وإن كان فيها حظر كما أن حظر دار الإسلام يجري عليها حكم الحظر وإن جاز أن يكون فيها مباح الدم، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "منعت دار الإسلام ما فيها، وأباحت دار الشرك ما فيها".
مسألة:
قال الشافعي: "وقطع بخيبر وهي بعد النضير والطائف وهي آخر غزوة غزاها عليه السلام لقي فيها قتالاً فبهذا كله أقول وما أصيب بذلك من النساء والوالدان فلا بأس لأنه على غير عمد فإن كان في دارهم أساري مسلمون أو مستأمنون كرت النصب عليهم بما ينعم التحريق والتفريق احتياطيًا غير محرم له تحريماً بينًا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا تبين أن يحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه".