في منامه ويقظته فأخبره بها فوافقت ما عنده في الكتب، وسأل أبا طالب عنه فقال: ابني فقال: كلا فقال: ابن أخي مات أبوه وهو حمل قال: صدقت وعمل له طعاماً لم يكن يعمله لهم قبل ذلك [158/أ] وقال: أحفظوا هذا من اليهود والنصارى فإنه سيد العالمين وسيبعث نبياً إليهم أجمعين وإن عرفوه معكم قتلوه فقالوا: كيف عرفت هذا؟ قال: بالسحابة التي أظلته ورأيت خاتم النبوة في كتفه فكان هذا أول بشرى بنبوته.
ثم نشأ رسول الله صل الله عليه وسلم في قريش على أحسن هدي وطريقة، وأشرف خلق وطبيعة، وأصدق لسان ولهجة حتى عرفت خديجة أمانته وأبضعته مالاً وتزوجت به. أول ما تلقاه جبريل عليه السلام ليلة السبت وليلة الأحد ثم ظهر برسالة الله تعالى يوم الاثنين في الثامن عشر من شهر رمضان، وروي في الرابع والعشرين من شهر رمضان ثم أخبر رسول الله صل الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها بما نزل عليه فقالت له: يا ابن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي أتاك؟ قال: نعم قالت: فأخبرني به إذا جاءك فجاءه جبريل عليه السلام فقال لها: يا خديجة هذا قد جاءني فقالت: قم فاجلس على فخذي اليسرى فجلس عليها قالت: تراه؟ قال: نعم قالت: فتحول إلى فخذي اليمنى فتحول إليها فقالت: تراه؟ قال: نعم قالت: فتحول في حجري فتحول في حجرها فقالت: هل تراه؟ فتسحرت وألقت خمارها وهو جالس في حجرها وقالت: هل تراه؟ قال: لا قالت: ابن عم أثبت وأبشر فوالله إنه لملك [158/ب] وما هو بشيطانٍ وآمنت به فكانت أول من أسلم من جميع الناس. ثم روي أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صل الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وهو بأعلى مكة فهمز بعقبة في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام منها ليريه كيف الطهور فوضا رسول الله صل الله عليه وسلم فصلى به فكانت هذه أول عبادة فرضت عليه ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فتوضأ لها حتى توضأت وصلى بها كما صلى به جبريل فكانت أول من توضأ وصلى بعد رسول الله صل الله عليه وسلم واستسر رسول الله صل الله عليه وسلم بالإنذار من يأمنه، واختلفوا في أول من أسلم بعد خديجة فقيل: أول من أسلم بعدها من الذكور علي بن أبي طالب وصلى وهو ابن تسع سنين، وقيل: كان ابن عشر وهذا قول جائز وزيد بن أرقم، وقال ابن عباس وأبو أمامة: أول من أسلم وصلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال عروة بن الزبير وسليمان بن يسار: أول من أسلم زيد بن حارثة ثم أسلم على يدي أبي بكر عثمان والزبير وجماعة ثم تتابع الناس في الإسلام وكان رسول الله صل الله عليه وسلم على الإستسرار بدعائه ثلاث سنين من مبعثه وقد انتشرت دعوته في قريش إلى أن أمر بالدعاء جهراً [159/أ] ونزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] قول الله تعالى فلزمه الجهر بالدعاء وأمر أن يبدأ بإنذار عشيرته فقال تعالى: {وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ففعل إلى أن قال أبو لهب. تباً لك فأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ثم لم يكن من قريش في دعائه إياهم مباعدة له ولكن كانوا يردون بعض الرد حتى ذكر آلهتهم وأهانها وسفه أحلامهم في عبادتها فأجمعوا حينئذ على خلافه وتظاهروا بعداوته إلا من عصمه الله منهم بالإسلام