لا يسقط القطع سواء كان قبل الترافع إلى الحاكم أو بعده إلا أنه كان قبل الترافع إلى الحاكم تسقط عنه المطالبة، وإذا سقطت عنه المطالبة لا يكون هناك من يطالب بالقطع فلا يستوفى، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال أبو حنيفة ومحمد: يسقط عنه القطع وعن أبي يوسف روايتان، وقال قوم من أصحاب الحديث: إن كان هذا قبل الترافع إلى الحاكم يسقط، وإن كان بعد الترافع إلى الحاكم لا يسقط، ويحكى هذا عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في خبر سارق رداء صفوان: "هلا قبل أن ترفعه إليّ" قلنا: معناه ثم لا ترفعه إليّ بخلاف ما توهم ابن أبي ليلى، وإذا لم يرفع الحد إلى الإمام لم يكن له التجسس وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" تعافوا الحدود فيما بينكم فما رفعتموه إليّ فقد وجب". [64/أ]

فرع

لو أقر المالك أنه كان السارق سقط القطع بلا إشكالٍ، ولو قال: هذا ملكه مطلقًا فالظاهر أنه يسقط القطع، وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان.

فرع آخر

لو قال السارق: إنه كان مالي وملكي بالشراء منه أو بوجهٍ آخر وقال: كان أذن لي بأخذه فالضمان يلزمه ولا تقبل دعواه إلا ببينةٍ، وأما القطع قال الشافعي: سقط عنه لأنه صار خصمًا في ذلك فصار شبهةً في سقوطه ويسميه الشافعي: السارق (الطريف) أي العالم فإنه توصل بحيله له طريفة إلى إسقاط القطع عن نفسه، وقيل: الشبهة هنا أنه آل الأمر إلى أن يحلف المسروق منه فلو قطعناه لقطعناه بيمينه وربما ينكل فيحلف السارق ويأخذ المال، ولا فرق بين أن يحلف المسروق منه أو لا، لأن حق الخصومة هو الشبهة بقدر الملك للمسروق منه إذا لم يتقرر.

وقال أبو إسحاق: ومن أصحابنا من قال: يلزمه القطع ولا يسقط عنه بمجرد الدعوى بل يحتاج إلى إقامة البينة أو ينكل صاحب المال في الظاهر عن اليمين فيحلف هو، فأما إذا حلف المدعى عليه فالقطع واجب وهذا لأنا لو قلنا بخلاف هذا لأدى إلى إسقاط القطع أصلًا فإن كل سارق لا يعجز عن هذه الدعوى وهذا لا يصح [64/ب] لما ذكرنا من الشبهة والحد يسقط بالشبهة ولهذا قال أصحابنا: لا خلاف أنه لو ثبت عليه أنه زنا بامرأةٍ فادعى أنها زوجته وأنكرت فالقول قولها مع يمينها ولا يجب الحد وإن أدى إلى إسقاط جملة الحدود في الزنا، وربما لا تسلم هذه المسألة من نص القول الآخر ويقول: يلزمه الحد هنا أيضًا وهو غلط ظاهر، ولو نكل المسروق منه عن اليمين ورد اليمين على السارق فلم يحلف لا يلزم القطع وجهًا واحدًا لأن دعواه لم تبطل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015