وهذا الأمر بالقتال مخاطب به الولاة دون غيرهم: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أي ترجع، وفيه وجهان:

أحدهما: حتى ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به. قال سعيد بن جبير.

والثاني: حتى ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله، قال قتادة: {فَإِن فَاءتْ} [الحجرات: 9] يعني: رجعت عن البغي.

{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات:9] فيه وجهان: أحدهما: بالحق. والثاني: بكتاب الله. {وَأَقْسِطُوا} [الحجرات:9] يعني: اعدلوا، ويحتمل وجهين:

أحدهما: اعدلوا في ترك الهوى والممايلة.

والثاني: في ترك العقوبة والمؤاخذة.

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الحجرات:9] يعني العادلين. قال أبو مالك: في القول والفعل فدلت هذه الآية علي بقاء البغاة على إيمانهم. ودلت على الابتداء بالصلح قبل قتالهم. ودلت على وجوب قتالهم إن أقاموا على بغيهم. ودلت على الكف عن القتال بعد رجوعهم. ودلت على أن لا تباعة عليهم فيما كان بينهم فهذه خمسة أحكام دلت عليها هذه الآية فيهم.

قال الشافعي: وفيها دلالة على أن كل من وجب عليه حق فمنع منه، وجب قتاله حتى يؤديه.

فروى سلمة بن الأكوع وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا".

وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من فارق الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه".

وأما الإجماع الدال على إباحة قتالهم: فهو منعقد عن فعل إمامين:

أحدهما: أبو بكر في قتال مانعي الزكاة.

والثاني: علي بن أبي طالب في قتال من خلع طاعته.

فأما أبو بكر رضي الله عنه فإنه قاتل طائفتين:

طائفة: ارتدت عن الإسلام مع مسيلمة وطليحة والعنسي فلم يختلف عليه من الصحابة في قتالهم أحد.

وطائفة: أقاموا على الإسلام ومنعوا الزكاة بتأويل اشتبه، فخالفه أكثر الصحابة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015