فصل:

فأما إذا قطع الجاني قطعة لحم من بدن المجني عليه فخاف المجني عليه سرايتها فقطع ما يليها فمات فينظر، فإن قطع المجني عليه ميتًا فلا تأثير للقطعة، لأن قطع الميت لا سرايةً له، والجاني هو القاتل وحده، والقول عليه في النفس واجب، فإن عفا عنه فجميع الدية، وإن قطع لحمًا حيًا فالموت من سرايتها والجاني أحد القاتلين بوفاق أبي حنيفةً؛ لأن محل الجناية عنده إذا كان باقيًا حدثت السراية عنهما، وإن أزاله الثاني كانت السراية عن الثاني، وعندنا أنه لا فرق بين بقاء محل الجناية وزواله في حدوث السراية عنهما، ويكون القول ها هنا على الجاني محمولًا على ما قدمناه من اختلاف أصحابنا، فيكون على قول ابن أبي هريرة على قولين، وعند أبي إسحاق المروري: لا قود عليه قولًا واحدًا، وعليه نصف الدية، وهكذا لو أن المجروح خاط جرحه فمات، فإن خاطه في لحم ميت فالجارح هو القاتل وعليه القول في النفس أو جميع الدية، وإن خاطه في لحم حي كان الجارح أحد القاتلين وكان وجوب القود على ما ذكرناه من اختلاف أصحابنا في القولين.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولو كان في يد المقطوع إصبعان شلاوان القصاص في اليد لم تقطع يد الجاني ولو رضي فإن سأل المقطوع أن يقطع له إصبع القاطع الثالث ويؤخذ له أرش الإصبعين والحكومة في الكف كان ذلك له ولا أبلغ بحكومة كفه دية إصبع لأنها تبع للأصابع وكلها مستوية ولا يكون أرشها كواحدة منها ((.

قال في الحاوي: قد ذكرنا أن السليمة لا تقاد بالشلاء، ويجوز أن تقاد الشلاء بالسليمة، فإذا قطع كفًا فيها إصبعان شلاوان فلا تخلو كف القاطع من أن تكون سليمة أو فيها شلل فإن كانت سليمةً فلا قصاص عليه في كفه وإن بذلها، لأن سلامة ما قابل الأشل يوجب سقوط القصاص عنه، ومن سقط القصاص عنه لم يقتص منه وإن رضي لأمرين:

أحدهما: أنه لما كان سقوط القود عن الأب بالابن وعن الحر بالعبد يمنع من القود مع رضا الأب والحر كذلك يمنع منه مع رضا السليم بالأشل.

والثاني: أن سقوط القود في السليم عن الجاني قد أوجب المال أرشًا في الأشل من المجني عليه فصار كالدين المستحق، ولو بذل من عليه الدين أن يؤخذ به شيء من أعضائه لم يجز، كذلك هنا وإذا سقط القصاص من الملجم المقال للأشل لم يسقط من السليم المقابل للسليم فيقال للمجني عليه: أنت بالخيار بين القصاص أو الدية، فإن طلب الدية وعفا عن القصاص أعطي ديةً ثلاثةً أصابع ثلاثين بعيرًا يدخل فيها حكومة ما تحتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015