عن أبي بكر وعمر إجماعًا، لأن القتل قد يكون بالمباشرة تارة، وبالسبب أخرى، فلما وجب القود بالمباشرة جاز أن يجب بالسبب؛ لأنه أحد نوعي القتل.
فصل:
فأما أبو حنيفة فقد وافق في وجوب القود على الإمام الآمر ردًا على أبي يوسف، وأسقط القود عن المأمور المكره، وسلبه حكم المباشرة، فلم يوجب عليه دية ولا كفارة، وهذا أحد قولي الشافعي في سقوط القود.
وموجب تعليل البصريين في سقوط الدية والكفارة، ومخالف لتعليل البغداديين في وجوب نصف الدية والكفارة مع سقوط القود، وهو مخالف للقول الثاني للشافعي في جميع أحكامه؛ لأنه يجري عليه حكم الإمام الآمر في وجوب القود والدية والكفارة، وأبو حنيفة يسلبه بالإكراه جميع أحكام الإمام استدلالًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولأنه قتله لإحياء نفسه، فوجب أن يسقط عنه القود كالمقتول دفعًا عن نفسه، ولأن ما أوجب القتل بفعل المختار سقط فيه القتل بفعل المكره كالزنا، ولأن الإكراه قد نقل حكم لمباشرة إلى الآمر، فوجب أن يزول حكمها عن المأمور، لأن الفعل واحد، ويصير المأمور فيه كالآلة أو كالسبع المرسل والكلب الشلاء، ولأن الإكراه يتنوع نوعين: إكراه حكم، وإكراه قهر، ثم ثبت أن إكراه الحكم وهو إلجاء الحاكم إلى القتل بشهادة الزور يمنع من وجوب القتل عليه مع أمنه على نفسه، فكان إكراه القهر أولى أن يمنع من وجوب القود مع خوفه على نفسه؛ ولأن الإكراه يكون تارة على القول بأن يتلفظ بكلمة الكفر، وتارة على القتل بأن يؤمر بالقتل، ثم ثبت أن حكم الكفر تزول بالإكراه فوجب أن يكون حكم القتل يزول بالإكراه.
ودليلنا عموم قول الله تعالى: {ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33] ولأنه عمد، قتله ظلمًا لإحياء نفسه، فلم يمنع إحياؤه لها قتله قودًا، قياسًا على المفطر إذا أكل من الجوع محظور النفس، ثم هذا أولى بالقتل من المضطر، لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل، وليس المأمور على يقين من القتل إن لم يقتل، وعلى أن الأصول تشهد لصحة هذا التعليل، ألا ترى أن ركاب السفينة إذا خافوا على أنفسهم فألقوا عليه أحدهم ليتشاغل به عنهم وجب عليهم القود، كذلك المكره المفتدي نفسه بغيره، ولأنه لا عذر له في إحياء نفسه بقتل غيره، لأن حرمة غيره مثل حرمة نفسه، فلم يكن إحياء نفسه بالغير أولى من إحياء الغير بنفسه فاستويا، وصار وجود العذر كعدمه، فاقتضى أن يحب القود بينهما كوجوبه لو لم يكن مكرهًا.
فأما الخبر فمحمول على ما اختص بحقوق الله تعالى دون حقوق الآدميين،