وقال أبو حنيفة: إذا أعتق العبد بعد إرسال السهم، وقبل الإصابة ففيه قيمته لسيده اعتبارًا بإرسال السهم دون الإصابة، وأما الكافر فديته ودية المسلم عنده سواء، وهذا فاسد؛ لأن النصراني لم يصل السهم إليه إلا بعد إسلامه، والعبد لم يصل السهم إليه إلا بعد عتقه قد ذكرنا أن القود معتبر بحال الجناية، وهو وقت الإرسال، والدية معتبرة بحال الاستقرار وهو الإصابة.

فأما ما ظهر فيه اشتباه القياس فمسألتان اتفق أصحابنا في إحداهما، وظهر الخلاف في الأخرى.

فأما التي اتفق أصحابنا عليها مع ظهور الاشتباه فيها: فهي في مسلم أرسل سهمه على مرتد فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات، قال الشافعي: "لا قود عليه" اعتبارًا بإرسال السهم وعليه الدية اعتبارًا بإصابة السهم وهذا مشتبه؛ لأن ابتداء الجناية إن كان عند إرسال السهم، فينبغي أن لا تجب فيه الدية لأنه كان عند إرساله مرتدًا، وإن كان ابتداؤها عند الإصابة، فينبغي أن يجب فيه القود، لأنه كان عند إصابته مسلمًا ولا يجوز أن يجعل ابتداؤها في سقوط القود عند الإرسال وفي وجوب الدية عند الإصابة لتنافيها، وهذا الاشتباه وإن كان محتملًا، كاد ابن أبي هريرة أن يخرجه وجهًا ثانيًا: أنه لا قود ولا دية اعتبارًا بحال الإرسال كما اعتبر في النصراني والعبد حال الإرسال، ويحمل قول الشافعي: وكذلك المرتد يعني: في سقوط القود والدية معًا، وهذا الاحتمال، وإن كان لو قاله قائل مذهبًا فلم يصرح به من أصحابنا أحد؛ لأن الدية تضمن ضمان الأموال فروعي فيها وقت المباشرة، وذلك عند الإصابة والقود يضمن ضمان الحدود، فروعي فيها وقت الفعل، وذلك عند الإرسال، فلذلك سقط القود في المرتد اعتبارًا بوقت الإرسال، ووجب فيه الدية اعتبارًا بوقت الإصابة.

وأما المسألة الثانية من مسألة الاشتباه فهي التي ضمها أصحابنا إلى الثلاث المنصوصات، وظهر فيا من بعضهم خلاف.

وهي في مسلم أرسل سهمه على حربي فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات، فقد جمع أصحابنا بينه وبين المرتد، فأسقطوا فيه القود اعتبارًا بوقت الإرسال، وأوجبوا فيه دية مسلم اعتبارًا بوقت الإصابة.

وفرق أبو جعفر الترمذي بينه وبين المرتد، فأسقط في الحربي القود والدية معًا، وأوجب في المرتد الدية، وأسقط القود فصار جامعًا بينهما في سقوط القود، ومفرقًا بينهما في وجوب الدية احتجاجًا بأن قتل الحربي مندوب إليه في حق الإمام وغيره، وقتل المرتد منهي عنه إلا في حق الإمام وهذا الذي قاله الترمذي فاسد؛ لأن اختلافهما من هذا الوجه لما لم يمنع من تساويهما قبل الإسلام في سقوط القود لم يمنع من تساويهما بعد الإسلام في وجوب الدية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015