الفصل:
صورة هذه المسألة أنها طهرت من الخيض فوطئها فيه، ثم ذكرت أنها زنت في ذلك الطهر وأتت منه بولد، فإن له أن ينفيه باللعان وحكاه الشافعي عن عطاء.
ثم قال: "قال بعض من ينسب إلى العلم إنه إنما ينفي الولد إذا قال: قد استبرأتها بعدما وطئتها".
قال أصحابنا: هذا الذي حكاه الشافعي مذهب مالك في إحدى الروايتين، وهذا لفظ فيه خشونة، ولم يقصد بهذا القول الوضع منه وإنما أراد أنه منسوب إلى العلم كما يقال، قال بعض أهل العلم، فإن قيل: فإذا اجتمع في الرحم ماءه وماء الزاني من أين يترجح له في نفي الولد أنه من الزاني؟ قلنا: كان ابن سريج يذهب إلى أنه لا ينفيه مع اختلاط الماءين، وهو خلاف نص الشافعي فيقول: قد يترجح الحمل عنده مع اختلاط الماءين من وجوه؛ منها: أن الذكي الفطن (ق 21 ب) من الرجال يحس باللعوق عند الإنزال كان أو لم يكن، وكذلك من النساء من يحس به. ومنها: أن يعلم من نفسه أنه عقيم لا يولد له، ومنها: أنه يرى شبه الولد بالزاني. ويجوز النفي بغلبة الظن بالأمارات، فإن قيل: ولد أمته لا ينتفي عنه إلا بدعوى الاستبراء بعد الوطء فيجب أن يكون ولد الحرة مثله. ولد الأمة التي اعترف بوطئها يلحق به إلا أن يدعي الاستبراء، فإذا ادعى الاستبراء ينفي عنه من غير لعان، فلما كان الولد ينتفي عنه الاستبراء وجب ذكره وولد الحرة لا ينتفي عنه الاستبراء فلم يكن لذكر الاستبراء معنى.
واعلم أن الشافعي قال كما يذهب إلى أن نفي العجلاني كان بدعوى الاستبراء لم أقر بها منذ كذا وكذا. والجواب: أنه لا اعتبار بما ذكر العجلاني لأنه سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصبها منذ أشهرًا.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بالولد علامة تثبت صدق الزوج، ولا يقال: لا يجوز نفي الولد إلا بإجماع هذه الوجوه والشرائط كلها كذلك في هذا المتنازع.
ثم ألزم الشافعي نفسه سؤالاً فقال:
"فإن قيل: فما حجتك في أنه يلاعن وينفي عنه الولد، وإن لم يدع الاستبراء" ثم استغل الشافعي بالكلام في مسألة أخرى خلافية بينه وبين مالك قبل جواب هذا السؤال، فقال: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] ولم تفصل عن أن يقول الرامي: رأيتها تزني، وبين أن يقول: زنت من غير دعوى الرؤية، ولم يفصل بين الأجنبي وبين الزوج، وقصد الرد على مالك حيث قال: "لا يصير قاذفًا حتى يقول: رأيتها تزني".