إنما استفاض عن أربعة نفر، ثم استفاض عنهم الخبر فصار أصله من أخبار الآحاد وانتشاره من أخبار الاستفاضة.
وأما أخبار الآحاد فهو: ما أخبر بت الواحد والعدد القليل الذي يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب، أو الاتفاق في السهو والغلط، وهى على ثلاثة أضربٍ؛ أخبار المعاملات، وأخبار الشهادات، وأخبار السنن والديانات.
فأما أخبار المعاملات فلا يراعى فيها عدالة المخبر، وإنما يراعى فيها سكون النفس إلى خبره، فيقبل من كل برٍ وفاجرٍ، ومسلم وكافرٍ، وصغير وبالغٍ. فإذا قال واحد منهم: هذه هدية فلانٍ إليك جاز القبول ويتصرف فيها بقوله، ولذلك لو قال: قد أذن لق فلان في دخول داره، وإنما لا تعتبر فيه العدالة؛ لأن العرف جاز باستتابة أهل البذلة فيه، ومن خرج عن حد الصيانة وذلك منافٍ لشروط العدالة. وأما أخبار الشهادات فيعتبر فيها شرطان ورود الشرعة يهما وانعق الإجماع عليهما:
أحدهما: العدالة؛ لأن المنتدب لها أهل الصيانة، فتعتبر العدالة ليكونوا من أهل الصدق والصيانة [110/ ب].
والثاني: العدد على موارد الشرعة بت من الاختلاف، فصارت الشهادة من هذين الوجهين أغلظ من أخبار المعاملات وإن كانا جميعا من أخبار الآحاد. وأما أخبار السنن في العبادات، فمختلف في قبول أخبار الآحاد فيها. فقال الأصم وابن عليّة: لا يقبل ويعدل إلى غيرها من أدلة الشرعة؛ لأنها لا توجب العلم فلا توجب العمل. وذهب الجمهور إلى قبولها ووجوب العمل بتا، لقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] الآية، فلو لم تلزم الحجة بالآحاد النافرة لأمر فيه بالتواتر والاستفاضة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ- رضي الله عنه- إلى اليمين، فنقل السنن وعلمهم العبادات ونصب الزكوات وقبلوا. وقال بعض أصحاب الحديث: لا يجوز قبول خبر ممن لا يوافقه على مذهبه وهذا غلط، ويؤدى إلى إطراح أكثر السنن، ولأنه لما سقط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض البلاغ بذكره للآحاد لزم فيها قبول أخبار الآحاد، ولأنه يجوز العمل على قول مفتى واحد وهما في أحكام الدين سواء. وذهب بعض أهل العراق إلى أنها لا تقبل إلا عن اثنين حتى تتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم كأقل الشهادات.
وذهب آخرون إلى أنها لا تقبل إلا من أربعة عن أربعة كأكثر الشهادات. وعندنا وعند الجمهور خبر الواحد والجماعة في وجوب العمل بتا واحد، وقد عمل أبو بكر- رضي الله عنه- في ميراث الجدة على خبر الواحد، وأخذ الجزية من المحبوس. وعمل عمر- رضي الله عنه- على خبر الواحد في دية الجنين، لأن ما يجوز على [111/ أ] الواحد يجوز على الاثنين والأربعة وليس اعتبار أخبار السنن بالشهادة أولى من اعتبارها بأخبار المعاملات؛ لأنها واسطة بينهما فاعتبر فيها العدالة كالشهادة، وقبل خبر الواحد كالمعاملة.