"فصم شهرين متتابعين"، فقلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: "فاطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا"، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما أملك لنا طعامًا، قال: "فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعهما إليك، فاطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها" فرجعت إلى قومي وقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عن النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم.

وقوله: "أنت بذاك يا سلمة" معناه: أنت المسلم بذلك والمرتكب له. وقوله: "بتنا وحشين"، معناه: بتنا مقفرين لا طعام لنا. وروي ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظاهر من امرأته فوقع عليها، فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر، فقال: "ما حملك على ذلك رحمك الله""، قال رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: "فلا تقربها حتى تعمل ما أمرك الله تعالى".

وروي عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن سلمة بن صخر الأنصاري. أحد بني بياضة. جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصف رمضان وقع عليها ليلًا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: "أعتق رقبة". فقال: لا أجدها، قال: "فصم شهرين متتابعين". قال: لا أستطيع، فقال: "أطعم ستين مسكينًا". قال: لا أجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن عمرو: "أعطه ذلك العرق، وهو مكتل [125/ أ] يأخذ خمسة عشر صاعًا أو ستة عشر صاعًا، إطعام ستين مسكينًا". قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن. يقال: سليمان، ويقال: سلمى. وروي بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار خبر سلمى بن صخر وذكر فيه: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأعطاه إياه، وهو قريب خمسة عشر صاعًا، فقال: "تصدق بهذا"، فقال: يا رسول الله، على أفقر مني ومن أهلي. فقال: "كله أنت وعيالك". وقيل: سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر فإخباره عن مرسل.

وأما الإجماع: لا خلاف بين المسلمين فيه، ثم أعلم أن الظهار مشتق من الظهر، كأنه يقول: ظهرك محرم علي كتحريم ظهر أمن. وإنما خص الظهر من بين أعضاء الأم؛ لأن كل مركوب سمي ظهرًا لحصول الركوب على ظهره، والمرأة تركب الزوج، والظهار محرم لقوله تعالى: {وإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وزُورًا} [المجادلة:2]، ومعنى ذلك أن الزوجة لا تكون محرمة كالأم. فإن قيل: أليس قوله: أنت علي حرام في معناه وليس بمحرم؟ قلنا: هو مكروه ولا يحرم؛ لأن الله تعالى عاتب فيه فقال: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1]، ولم يعقبه بما عقب به لفظ الظهار من الإنكار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015