بين جميع من شهد الواقعة بالسوية من غير تفضيل إلا ما استحقه بفرسه ولا يفضل ذا شجاعة على غيره، ولا من قاتل على من لم يقاتل، ولا يعطى من الغنيمة من لم يشهد الواقعة.

وقال أبو حنيفة للإمام أن يفاضل بينهم في القسم، وليس له أن يعطي من لم يحضر الواقعة استدلالاً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاضل بين الناس في غنائم حنين. وقال مالك: يجوز أن يفاضل بينهم، ويعطي منها من لم يحضر معهم استدلالاً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم من غنائم بدر لثمانية لم يشهدوا بدرا منهم: عثمان وطلحة.

والدليل عليهما عموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41] فاقتضى أن يكون الباقي بعد الخمس لمن غنم كمل قال: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث} [النساء:11] فدل على أن الباقي للأب إذا اقتضت الآية أن يكون أربعة أخماس الغنيمة للغانمين أوجب بذلك التسوية ما لم يرد نص بالتفضيل وأن لا يشاركهم غيرهم لظاهر التنزيل.

وروى عبد الله بن عمرو أن رجلاً أخذ من المغنم جبة غزل من شعر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أخذت هذه لأصلح بها بردعة بعيري، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما ما كان له ولبني عبد المطلب فهو لك" فقال الرجل: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي بها (?)، فلو جاز التفضيل لفضل بهذا القدر اليسير ولأن ما اشتركوا في سبب تملكه أوجب تساويهم في ملكه كالاشتراك في صيد واحتشاش، فأما تفضيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الناس في غنائم حنين، فإنما فعل ذلك بالمؤلفة قلوبهم، فألف عدداً منهم كل واحد منهم بمائة بعير منهم: أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، واستعتب العباس بن مرداس فقال (?):

أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينه والأقرع

وما كان حصن ولا حابس ... يفوق مرداس في مجمع

وما كنت دون أمري منهما ... ومن تضع البوم لا يرفع

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقطعوا لسانه عني" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015