لهما في البهيمة ويسميان في الإنسان والوريدان، ومنه قوله تعالى: {ونَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} [ق:16] ولكن لما ذكره الشافعي في الإنسان والبهيمة سماه فيهما باسم واحد إفهاماً للعامة فهذا حال الكمال في الذكاة بقطع هذه الأربعة:
وأما حال الجواز فقد اختلف الفقهاء فيه على أربعة مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الشافعي أن أجزاء الذبح بقطع الحلقوم والمريء دون الودجين، فإن قطع الحلقوم والمريء واستثنى الودجين حل الذبح، وإن كان استبقاء الودجين بعد قطع الحلقوم متعززاً لا يتكلف؛ لأنهما يكتنفان الحلقوم والمريء من جانبهما، فإن تكلف واستبقاهما جاز.
والثاني: وهو قول مالك أنه لا يحل الذبح إلا بقطه الأربعة كلها، فإن استبقى منها شيئاً لم تحل.
والثالث: وهو قول أبي حنيفة أنه لا تحل الذبيحة إلا بقطع أكثر الأربعة كلها إذا قطع من كل واحد منهما أكثره وترك أقله حلّ فإن ترك منها واحداً لم يقطع أكثره لم تحل.
والرابع: وهو قول أبي يوسف لا تحل إلا بقطه أكثرها عدداً وهو الحلقوم والمريء وأحد الودجين احتجاجاً برواية أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما فري الأوداج فكلوا ما لم يكن قرض ناب أو حز طعن فجعل فري الأوداج شرطاً في الإباحة، ولأن مخرج الدم من الأوداج، فكان قطعها أخص بالذكاة ودليلنا ما رواه الشافعي عن سفيان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جاه، عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج، قال: "قلنا: يا رسول الله إنا ملاقو العدو غداً أفندكي بالليطة" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه إلا ما كان من سن أو ظفر فإن السن عظم من الأسنان والظفر مدي الحبشة". فاعتبرها بما أنهر الدم، وقطع الحلقوم والمريء منهر للام، فتعلق به الأجزاء، ولأن مقصود الذكاة فوات النفس بأخف ألم، لرواية شداد بن أوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب على كل شي، الإحسان، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وليحد أحاكم شفرته وليرح ذبيحته" والأسهل في فوات الروح انقطاع النفس، وهو بقطع الحلقوم أخص، وبقطع المريء، لأنه مسلك الجوف، وليس بعد قطعهما حياة، والودجان قد يسلان من الإنسان والبهيمة فيعيشان، فكان اعتبار الذكاة بما لا تبقى معه حياة أولى من اعتبارهما بما تبقى معه حياة.
وأما الجواب عن قوله: "ما فري الأوداج، فكلوا" فهو أنه غير مستعمل الظاهر؛