وأما الثالث: ففائدته أن من تطوع بالتفكير عن غيره يجوز له أن يدفع الكفارة إلى عيال المفكر عنه إذا كانوا محتاجين.
وأما التأويل الرابع: فائدته أن من وجبت عليه كفارة فعجز عنها فإنه يسقط فرضها عنه. فحصل من التأويل الرابع والخامس قولان وهما: أن من عجز عن الكفارة هل تسقط عنه؟ قولان قال أصحابنا: حقوق الله تعالى المتعلقة بالمال هي على ثلاثة أضرب: حق يجب لا بسبب من جهته ولا هو على جهة البذل مثل زكاة الفطر فلا خلاف أنها تجب في حال الوجوب عند القدرة ولا تجب عند العجز ويسقط رأسًا، وحق يجب بسبب من جهته على جهة البذل كجزاء الصيد فلا خلاف أنه يجب إخراجه عند القدرة ويثبت في الدية عند الإعسار إلى أن يجد، وحق يجب بسبب من جهته لا على وجه البذل ككفارة الجماع [291 ب/4] والقتل واليمين والظهار فإن كان قادرًا في الحال يلزمه إخراجه، وإن كان عاجزًا هل يسقط؟ قولان: أحدهما: يسقط كزكاة الفطر، والثاني: وهو الصحيح أنه لا يسقط كجزاء الصيد ولا تجب الكفارة إذا وطاء في قضاء رمضان، وقال قتادة وأبو ثور: تجب الكفارة وهذا غلط، لأنه ليس لزمان القضاء حرمة رمضان فلا كفارة.
مسألة: قَالَ (?): وَإنْ كَانَ نَاسِيًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في أَكْلِ النَّاسي.
وهذا كما قال: إذا أكل ناسيًا لم يفطر ولا قضاء عليه وليس في الصيام ما يقضي إذا فعله ناسيًا أو جاهلًا إلا في الناسي لطلوع الفجر وإن جامع ناسيًا فقد نقل المزني أنه لا كفارة قياسًا على أكل الناسي للخبر في ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب في الصوم فليتم صومه فالله أطعمه وسقاه" (?). وروي عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في الذي صام ثم جامع أشياء مثل الذي يأكل ناسيًا وبقولنا قال على وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة [292 أ/4] ومن أصحابنا من غلط المزني فيه وقال: لا نص فيه الشافعي فيحتمل أن يخرج على قولين كما نقول في جماع الناسي في الحج قولان ذكره أهل خراسان وحدهم أحدهما: لا تلزمه الكفارة لأنها تسقط.
والثاني: تلزمه الكفارة لأن الأعرابي جاهل بحكم الفطر والرسول صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة عليه والناسي هو مثل الجاهل وهذا أصح، ومن قال بالأول فرق بين الحج وهذا بأن المحظورات هناك تنقسم إلى ما هو استمتاع كاللباس وإلى ما هو إتلاف كالحلق ويستوي في هذا حكم العامد والناسي دون ذاك فجاز أن يلحق الجماع بما يستوي فيه السهو والعمد ومحظورات الصوم كلها على قسم واحد لا تختلف وكلها