حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: ح الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ قَالَ: ح إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ قَالَ: ح وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ الصَّوْمُ جُنَّةٌ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَى إِضَافَةِ الصَّوْمِ إِلَى نَفْسِهِ جَلَّ اسْمُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبُعْدِهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَقَعُ عَلَيْهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّيَاءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصَّائِمَ لَا يَطْعَمُ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ فَقَالَ {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] ، فَكَأَنَّ الصَّائِمَ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قَدْرِ مَا يَلِيقُ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ، وَكَمَالِهِ لِلَّهِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْعَالِمَ مِنَّا وَالْكَرِيمَ وَالرَّحِيمَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ، وَلِلْعَبْدِ فِيهَا نِسْبَةٌ عَلَى قَدْرِ الْبَشَرِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصُوصُ الْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «أَنَا أَجْزِي بِهِ» أَيْ: عَلَى كَرَمِ الرُّبُوبِيَّةِ لَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْعُبُودِيَّةِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَتَيْتَ بِهِ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنْ صِفَتِكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَتِي، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا أَطْعَمُ , غَيْرَ أَنَّكَ تَكَلَّفْتَ مِنْ أَجْلِي، وَتَرَكَتْ طَعَامَكَ وَشَرَابَكَ لِي، فَأَنَا أَجْزِيكَ عَلَى قَدْرِي. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ الْهَمْدَانِيُّ: اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ لِنَفْسِهِ لِيَسْلَمَ مِنَ الْعَدُوِّ أَنْ يُفْسِدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْمَعُ فِيمَا لِلَّهِ، وَيَسْلَمُ مِنَ الْخُصُومِ أَنْ يَأْخُذُوهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، فَإِذَا -[69]- اسْتَوْفَى الْخُصُومِ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَمَلٌ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى دِيوَانَ صَوْمِهِ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ الْعَبْدِ، فَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَثَوَابُهُ عَلَى قَدْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَنَا أَجْزِي بِهِ» ، أَيْ: أَنَّ الْجَزَاءَ بِهِ لَهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَيْ مَعْرِفَتِي فِي الْجَزَاءِ لَهُ بِهِ، وَحَسْبُهُ ذَلِكَ جَزَاءً، فَمَا شَيْءٌ يُدَانِيهَا وَلَا يَبْلَغُهَا، وَقَوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرَحُهُ عَلَى حُصُولِ صَوْمِهِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَلَيْهِ بِمَوْتٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ آفَةٍ، فَهُوَ يُسَرُّ بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَفْرَحَ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ هُوَ لِلَّهِ خَالِصٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «الصَّوْمُ لِي» ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْرَحُ بِتَوْفِيقِ رَبِّهِ إِيَّاهُ عَلَى صَوْمِهِ، فَلَنْ يَكُونَ عَمَلٌ إِلَّا بِهِ، فَيَكُونُ فَرْحَةً مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ دُونَ مَا جَاءَ مِنْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ بِإِفْطَارِهِ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ صَامَ عَنْ جَمِيعِ لَذَّاتِهِ وَشَهَوَاتِهِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ أَيَّامَ. . . أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ حَيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا أَفْطَرَ مِنْ صِيَامِهِ عَنْ شَهَوَاتِهِ، وَذَلِكَ حِينُ فَرَحِهِ