- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ح عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ مُعَاذٌ: أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا -[364]- اسْتَطَعْتَ، وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا فَأَحْدِثْ لِلَّهِ تَوْبَةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ» قَوْلُ أَدِيبٍ مُتَأَدِّبٍ بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى مُوَافِقٍ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا لَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مُنْزِلًا عَلَيْهِ مُوحِيًا إِلَيْهِ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَا اسْتَطَعْتَ» أَيْ عَلَى مِقْدَارِ طَاعَتِكَ، وَمَبْلَغِ قُدْرَتِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ قَدْرَهُ، وَلَا تَتَّقِيهِ حَقَّ تُقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَلَا يُطَاقُ إِقَامَةُ حَقِّهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ، لَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ، وَمَبْلَغِ الطَّاقَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «مَا اسْتَطَعْتَ» أَيْ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ، وَاسْتِفْرَاغِ طَاقَتِكَ وَبَذْلِ جُهُودِكَ حَتَّى لَا تُبْقِيَ مِمَّا تَسْتَطِيعُ، وَلَا تَسْتَبْقِيَ مِمَّا تُطِيقُ شَيْئًا إِلَّا بَذَلْتَهُ فِي تَقْوَاهُ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، وَوَفَاءً بِعَهْدِهِ، مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . وَقَوْلُهُ: «وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ» أَيْ حَيْثُمَا كُنْتَ مِنْ سَفَرٍ وَحَضَرٍ فَيَكُونُ الشَّجَرُ إِشَارَةً إِلَى الْحَضَرِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ السَّفَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَالْخَصْبِ وَالْجَدْبِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَيَكُونُ الشَّجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْخَصْبِ وَهُوَ حَالُ الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْجَدْبِ، وَهُوَ حَالُ الشِّدَّةِ وَالضَّرَّاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا فَأَحْدِثْ لِلَّهِ تَوْبَةً» أَشَارَ إِلَى ضَعْفِ الْبَشَرِيَّةِ وَعَجْزِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ تَوَقَّيْتَ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ فَغَيْرُ سَلِيمٍ -[365]- مِنْ شَرٍّ تَعْمَلُهُ، وَسُوءٍ تَأْتِيهِ، فَعَلَيْكَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكَ أَنْ تَعْمَلَ سُوءً، أَوِ احْذَرْ أَنْ تَأْتِيَ شَرًّا عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَجْرَى قَدَرِ اللَّهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزَ عَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ