حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعِ الْمَعْرُوفَ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَإِلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، فَكُنْ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ» -[245]- فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُوَاكَلَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَالْخُلَّةَ، وَكَيْفَ يَنْهَى عَنْ إِطْعَامِ مِنْ لَيْسَ بِتَقِيٍّ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] فِي الْأَسِيرِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُشْرِكٌ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ أَطْعَمَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَطْعَمَ مَنْ كَانَ فِي جُمْلَةِ الْمِسْكِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ التَّحَرِّيَ، وَالْقَصْدَ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَتَحَرَّيَنَّ بِإِطْعَامِكَ إِلَّا التَّقِيَّ، وَلَا تَقْصِدَنَّ بِهِ إِلَّا الْبَرَّ الَّذِي يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِبَادَةِ لَهُ، وَالشُّكْرِ لَهُ، فَتَكُونَ مُعَاوِنًا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، فَيَقُولُ: لَا تَقْصِدَنَّ بِإِطْعَامِكَ الْفَاجِرَ الَّذِي يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى فُجُورِهِ وَآثَامِهِ، فَتَكُونَ مُعَاوِنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَمَنْ تَحَرَّى فِي إِطْعَامِهِ، وَطَلَبَ لَهُ، وَاخْتَارَ، فَلْيَقْصِدْ أَهْلَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمَنْ بَذَلَ طَعَامَهُ، وَتَسَخَّى فِي إِطْعَامِهِ، فَلْيَدَعِ التَّحَيُّرَ، وَلْيُطْعِمْهُ مَنْ قَصَدَهُ، وَلَا يَحْرِمْهُ مَنْ أَتَاهُ قَالَ الشَّيْخُ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِنَا، يَقُولُ: كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاصِلٍ يَبْنِي رِبَاطَهُ يَتَنَاوَبُ مِنْ ثَغْرٍ اسْتِحْبَابًا، وَكَانَ الْعَدُوُّ يُقَاتِلُهُ، وَهُوَ يُقَاتِلُهُمْ نَهَارَهُ أَجْمَعَ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ، وَبَسَطَ سُفْرَتَهُ لِلْإِطْعَامِ لَمْ يَمْنَعْ مَنْ يُقَاتِلُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ يُطْعِمُهُمْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ سُئِلْتُ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: مِنْكَ أَخَذْتُ، وَبِأَمْرِكَ ائْتَمَرْتُ، وَمِنْكَ تَعَلَّمْتُ، فَأَطْعَمْتُ مَنْ أَطْعَمْتَ، وَقَاتَلْتُ مَنْ أَمَرْتَ. وَقِيلَ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْحَكِيمِ: تَخَيَّرْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِجْرَاءِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَأَسْقِطْ مَنْ لَا يَصْلُحُ مِنْهُمْ، فَأَجْرَى لِكُلِّ مَنْ فِي الرِّبَاطِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ مَنْ لَا يُسَوِّي مِنْ خَيْرٍ , هَذَا عِنْدَ الْبَذْلِ، وَالسَّخَاءِ، وَذَاكَ عِنْدَ التَّحَرِّي، وَالدُّعَاءِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَاللَّهُ يَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ