قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَرَجَعَ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ، فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَمَرَ بِقَرْيَتِهَا فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ» وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " أَنَّهُ مَرَّ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِقَرْيَةٍ أَوْ بِمَدِينَةٍ أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْلَهَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ، قَدْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَانٌ وَدَوَابُّ، وَمَنْ لَمْ يَقْتَرِفِ الذَّنْبَ، فَهُوَ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ ". قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنْ كَانَ هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي أَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ هُوَ هَذَا الْقَائِلَ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْرَاقِ قَرْيَةِ النَّمْلِ تَشْبِيهًا لَهُ عَلَى إِعْرَاضِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مِنْ رَحْمَةٍ وَعَذَابٍ، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، وَالْمُلْكَ مُلْكُهُ، وَلَيْسَ آمِرٌ وَلَا لَهُ زَاجِرٌ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَيُحْدِثَ فِي مُلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، بَلْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ شَاءَ لِمَا شَاءَ، فَإِنْ رَحِمَهُمْ وَنَعَّمَهُمْ، فَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ هُوَ عَذَّبَهُمْ وَأَلَّمَهُمْ فَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَعَذَّبَهُمْ، وَهُوَ لَهُمْ غَيْرُ ظَالِمٍ» ، فَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ إِنَّمَا يَسْأَلُهُ مَنْ هُوَ تَحْتَ قَدْرِهِ لِغَيْرِهِ، وَفَوْقَهُ أَمْرٌ وَلَهُ سَانٌّ سَنَّ لَهُ سُنَّةً، وَبَيَّنَ لَهُ طَرِيقَهُ، وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَحَّدَ لَهُ حُدُودًا، فَإِنْ جَاوَزَهَا أَوْ عَدَلَ عَمَّا سُنَّ لَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَخَالَفَ الْأَمْرَ، وَارْتَكَبَ النَّهْيَ، وَقَعَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ جَائِرًا ظَالِمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يَسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]
-[190]- فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ لَمَّا قَالَ مَا قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ شِبْهَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُ السُّؤَالُ عَنْهُ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّمْلَةِ الَّتِي عَضَّتْهُ، فَأَحْرَقَ قَرْيَتَهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُ: إِنَّكَ عَبْدٌ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ جَنَتْ عَلَيْكَ نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْهَا، فَكَيْفَ تَعْتَرِضُ عَلَى مَلِكٍ يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا شَاءَ لِيَكُونَ ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ عَنْ مِثْلِ مَا أَتَى مِنَ الِاعْتِرَاضِ، وَتَأْدِيبًا فِيمَا تَعَدَّى عَنْ طُورِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْقَادِرِ الْجَبَّارِ الْقَهَّارِ، وَيَكُونُ إِحْرَاقُهُ إِيَّاهَا نَوْعًا مِنَ الْإِفْنَاءِ وَالْقَتْلِ مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ ارْتِكَابَ ذَنْبٍ وَجِنَايَةٍ عَلَى أُمَّةٍ لَا ذَنْبَ لَهَا، كَمَا كَانَ نَتْفُ الرِّيشِ وَالتَّعْذِيبُ بِالشَّمْسِ لِلطَّيْرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ جَائِزًا لِسُلَيْمَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، حِينَ تَوَعَّدَ الْهُدْهُدَ، فَقَالَ {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل: 21] ، وَكَمَا جَازَ فِي شَرِيعَتِهِ إِتْلَافُ الْخَيْلِ الْجِيَادِ الَّتِي ضَرَبَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا، لَا لِلْقُرْبَانِ وَلَا ذَبْحًا، كَمَا يَذْبَحُ الْبَهَائِمَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فِي الْحَرَمِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، وَهِيَ: «الْفَأْرَةُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: «وَالْحِدَأَةُ» ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ كَذَا» ، وَنَهَى عَنِ اسْتِحْبَابِهَا