سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟ إذا كان القلب خرابا من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن. يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى يزول الحون.
وقال عاصم بن محمد في كتاب لوامع أنوار القلوب: كان لي معامل يهودي، فرأيته بمكة متضرعا مبتهلا فأعجبني حسن إسلامه. فسألته عن سبب إسلامه.
فقال: تقدّمت إلى أبي إسحاق إبراهيم الآجري النيسابوري، وهو يوقد في تنّور الآجر، أطلب دينا كان لي عليه، فقال لي: أسلم، واحذر نارا وقودها الناس والحجارة، فقلت: لا بأس عليك يا أبا إسحاق، فأنت أيضا فيها. قال: فعسى تعني قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} مريم: 71، الآية، فقلت: نعم. فقال لي: أعطني ثوبك، فأعطيته ثوبي، ثم لف ثوبي في ثوبه، ثم رمى بهما في التنور، وصبر ساعة طويلة ثم قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل في الأتون، يعني مستوقد النار وهي تتأجج لهيبا وزفيرا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على الباب الآخر، فهالني ذلك من فعله، فهرولت إليه متعجبا، وإذا بالرزمة صحيحة كما كانت، فحلها، وإذا بثيابي قد احترقت كأنها فحمة في وسط ثيابه، وثيابه صحيحة لم تمسها النار.
ثم قال: يا مسكين، هكذا يكون {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} مريم 71.
فأسلمت على يديه في الحال، وهذا ما رأيت من احوال الرجال.
لله درّ قوم ملأ قلوبهم بأنوار الحكمة والرشاد، حرّك ساكنا وجدهم، فتمايلهم كالغصن الميّاد، صفت زجاجة أرواحهم ورقّ لهم شراب وجدهم، وطاب لهم سماع الإنشاد.
أدرا عليهم حميا الحماية، فألفت عيونهم السهاد، فمنهم سكران ونشوان، وكل أيامكمهم بمحبوبهم أعياد.