يا غافلا عن نصيره، يا واقفا مع تقصيره، سبقك أهل العزائم، وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكّس رأس الذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار: مذنب وراحم، وتشبّه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، وقم في الدجى نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من العمر ذاهبه، ودع اللهو جانبا، وطلّق الدنيا إن كنت للآخرة طالبا، يا نائما طوال الليل سارت الرفقة، ورحل القوم كلهم، وما انتبهت من الرقدة.
ويروى عن اياس بن قتادة رضي الله عنه، وكان سيّد قومه، أنه نظر يوما إلى شعرة بيضاء في لحيته، فقال: اللهم إني أعوذ بك من فجأة الأمور، أرى الموت يطلبني، وأنا لا أفوته، ثم خرج إلى ثومه، وقال لهم: يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي فلتهبوا لي شيبتي، ثم دخل داره، ولزم بيته حتى مات.
وأنشدوا:
أمن بعد شيب أيها الرجل الكهل ... جهلت ومنك اليوم لا يحسن الجهل
تحكّم شيب الرأس فيك وإنما ... تميل إلى الدنيا ويخدعك المطل
دع المطل والتسويف إنك ميّت ... وبادر بجدّ لا يخالطه هزل
سأبكي زمانا هدّني بفراقه ... فليس لقلبي عن تذكره شغل
عجبت لقلبي والكرى إذا تهاجرا ... وقد كان قبل اليوم بينهما وصل
أخذت لنفسي حتف نفسي بكفها ... وأثقلت ظهري من ذنوب لها ثقل
وبارزت بالعصيان ربا مهيمنا ... له المنّ والإحسان والجود والفضل
أخاف وأرجو عفوه وعقابه ... وأعلم حقا أنه حكم عدل
وروي عن الحسن البصري أنه كان يقول: يا ابن آدم، هبطت