بحر الدموع (صفحة 75)

الفصل السابع عشر

يا من يذوب ولا يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، ويحك خلّ الأمل الكذوب. واأسفا، أين أرباب القلوب، تفرّقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجبا لك، ما الناس إلا ضروب.

يا دهر ما أقضاك من متلوّن ... في حالتيك وما أقلك منصفا

وغدوت للعبد الجهول مصافيا ... وعلى الكريم الحرّ سيفا مرهفا

دهر إذا أعطى استردّ عطاءه ... وإذا استقام بدا له فتحرّفا

لا أرتضيك وإن كرمت لأنني ... أدري بأنك لا تدوم على الصفا

ما دام خيرك يا زمان بشرّه ... أولى بنا ما قل منك وما كفى

روي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: أدركت أقواما، وصحبت طوائف، كان يأتي على أحدهم الخمسون سنة ونحوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط لفراش ولا نوم، ولم يأمر أهله قد بعمل طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض فراشا، ولقد كان يأكل أحدهم الأكلة، فيودّ أنها حجر في بطنه، وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي أهون عليهم من هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ولقد كان أحدهم يعيش عمره مجهودا شديد الجهد، والمال الحلال إلى جنبه، فيقال له: إلا تأخذ من هذا المال شيئا لتقتات به؟ فيقول: لا والله، إني لأخاف إن أصبت منه شيئا يكون فساد لقلبي وديني.

ويروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنه تزوّج امرأة من كندة يقال لها: صواب، فأتاها ووقف بباب البيت ونادى باسمها فلم تجبه.

فقال لها: يا هذه أخرساء أنت أم صمّاء؟ ألا تسمعين؟.

قالت: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما بي خرس ولا صم ولكن العروس تستحي أن تتكلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015