بحر الدموع (صفحة 69)

قال صاحب البيت: وكيف كان ثمنها بهذه الخساسة عندك؟.

فقال مالك: لكثرة عيوبها.

قال: ومن أعلمك بعيوبها.

قال: أنا أعلم من عيوبها ما لم تعلم أنت.

قال: أعلمني بها، وأوقفني عليها.

قال: إن لم تتعطر تغيّرت، وإن لم تستك بخرت (?) ، وإن لم تغتسل بظرت، وإن لم تمتشط قملت وشعثت، وإن عمّرت عن قليل هرمت وهي ذات بخار، وبصاق، وحيض وبول وغائط أقذار جملة، وآفات بينة، ولعلها لا تريدك إلا لنفسها، ولا تحبك إلا لتمتعها بك، وتمتعك بها، فلا تفي بعهدك، ولا تصدق في ودّك وعهدك، ولا يتخلف عليها أحد من بعدك إلا رأته مثلك. وأنا أجد بدون ما سألت جارية خلقت من سلالة الكافور، ولو مزج بريقها الأجاج لطاب، ولو دعي ميت بكلامها لأجاب، ولو بدا معصمها.

للشمس لأظلمت دونه، ولو برز لسواد الليل لسطع نوره، ولو واجهت الآفاق بحليّها وحللها، لتزخرفت، ولو نفخ ريح ذوائبها على الأرض وما فيها لتعطّرت، فهي العطرة الشكلة المغنّجة المتنسقة، التي نشأت في رياض المسك والزعفران وغنيت بماء التنسيم، فلا يكسف بالها، ولا يحول حالها، ولا يخلف عهدها، ولا يتبدّل ودّها، ولا يتوقع ضدها. فأيهما أحق بالرفعة أيها المغرور؟.

قال: التي وصفت، فما ثمنها رحمك الله؟.

قال: اليسير المبذول، أن تتفرّغ ساعة عن ليلك، فتقوم فتصلي ركعتين تخلصهما لربك، وأن تضع طعامك بين يديك، فتذكر جائعا، فتؤثره على شهوتك، وأن تخطو الطريق فتلتقط منه حجرا ومدرا، وأن تحرّك لسانك بطيب الكلام، أو بذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015