وذكر في بعض الأخبار أن رجلا كان من الفقهاء من أهل بغداد، وكان ممن يسار إليه في العلم والصلاح، وكان شيخا كبيرا فاضلا، وأراد الحج إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيّه عليه الصلاة والسلام، فألّف من أصحابه جماعة من الذين كانوا يقرؤون عليه، فارتبط معهم على أنهم يخرجون متوكلين على الله عز وجل.
فلما ساروا في بعض الطريق، وإذا بدير نصراني، وقد أعياهم الحرّ والعطش، فقالوا: يا أستاذنا، نسير لهذا الدير، فنستظل حتى يبرد النهار، ونرحل إن شاء الله تعالى، فقال لهم: افعلوا ما شئتم، فساروا إلى ذلك الدير، ونزلوا عند جداره وقد أصابهم العياء والحر، فنام الطلبة، والشيخ لم ينم.
قال: فتركهم الشيخ نائمين، وخرج يطلب ماء لوضوئه، ولم يكن له همّ إلا ذلك، فبينما هو يمشي في حومة الدير يطلب الماء، فرفع رأسه، فرأى جارية صغيرة السن، كأنها الشمس الضاحية، فلما رآها الشيخ تمكّن إبليس من قلبه، ونسي الوضوء والماء، ولم يكن له هم إلا الجارية، فأقبل يقرع الباب قرعا عنيفا، فخرج إليه راهب وقال له: من أنت؟
قال له: أنا فلان العالم الفلاني، وعرّفه بنفسه واسمه.
فقال له الراهب: ما تريد يا فقيه المسلمين؟.
قال له: يا راهب، هذه الصبية التي بدت من أعلى الدير، ما هي منك؟.
قال الراهب: هي ابنتي، فما سؤالك عنها؟.
قال له الشيخ: أريد أن تزوّجني إياها.
قال له الراهب: إن ذلك لا يجوز عندنا في ديننا، ولو كان جائزا، لكنت أزوّجها منك بغير مشورتها، ولكن قد جعلت لها على نفسها عهدا، أن لا أزوّجها إلا من ترضى لنفسها، ولكن أنا أدخل عليها وأعلمها بخبرك، فإن هي رضيتك لنفسها، زوّجتك منها.