يا معشر الفقراء، طوفوا بهذا الدير، وزاحموا على بابه، وباكروا هذه الدنّان، طيبوا على هذا السماع، وتواجدوا على هذه الألحان، معكم جمال المحبوب، في الكون والحال.
يا معشر الفتيان، ما أطيب عيش الصدّيقين، شربوا هذا الشراب وباحوا بالكتمان، فما تراهم إلا بين واجد وهائم وخائف وراج وولهان.
فعندما تجلى لهم محبوبهم في قلوبهم، أغناهم عن مشاهدة العيان. لاطفهم بملاطفة: يا عبادي لا خوف عليكم، اليوم لكم الأمان. بعيني ما تحملتم من أجلي، فكم من جفنت ساهر، وكم من كبد من الشوق ملآن، سأكشف لكم لمألم الحجاب عن وجهي فتتنعمون بما لم يخطر على قلب إنسان. ألبسكم حلل الرضا، وأبسط مجالسكم بالرضوان، أسقيكم شراب التوحيد صرفا خالصا، وأنا الحنّان المنّان.
يا أهل السماع تواجدوا، ويا معشر الإخوان، أين المشتاق؟ هذا الشراب، هذا كأس المتاب ملآن.
أين أنت من أهل الصفا يا مضيّعا عمره في العصيان؟ بادر قبل تغيّر الحال، فتعود بالخيبة والخسران، واعص من لامك وخالف من عدلك، وأطع من نصحك ودع قالا وقيلا.
{فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} الإسراء 71ـ 72.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، فقام في الركعة الأولى، حتى ظننا أنه لا يرفع رأسه، فرفع رأسه، ورفعنا بعده، فلما قضيت الصلاة، انفتل من محرابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: "أين أخي وابن عمي علي ابن أبي طالب؟ " فأجابه علي رضي الله عنه من آخر الصفوف، وهو يقول لبيك لبيك يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أدن مني يا أبا الحسن"، فدنا منه، فلم