ولا تركن إلى الدنيا وعوّل ... على مولاك واجعله وكيلا
وإن أحببت أنء تعتزّ عزا ... يدوم فكن له عبدا ذليلا
وواصل من أناب إليه واقطع ... وصال المسرفين تكن نبيلا
ولا تفني شبابك واغتنمه ... ومثل بين عينيك الرحيلا
ولا تصل الدنيا واهجر بنيها ... على طبقاتهم هجرا جميلا
وعامل فيهم المولى بصدق ... يضع لك في قلوبهم القبولا
ومن كتاب أنس المريدين وقدوة الزاهدين: قال يزيد بن الحباب: مررت بحمدونه المجنونة وهي قاعدة على قارعة الطريق وعليها جبّة صوف مكتوب بين كتفيها، بمداد هذا البيت المفرد:
سلب الرقاد عن الجفون تشوقي ... فمتى اللقا يا وارث الأموات
قال: فسلمت عليها، فردت السلام، فقالت: ألست أنت يزيد بن الحباب؟ قلت: لها، نعم، فبم عرفتيني؟! قالت: اتصلت المعرفة في الأسرار، فعرفتك بتعريف الملك الجبار، ثم قالت: أسالك. قلت: اسألي. قالت: ما هو السخاء في الدين؟ قلت لها: المسارعة إلى طاعة المولى. قالت: يا يزيد. آه آه، ليس هذا مسارعة، إنما المسارعة إلى طاعة الله أن لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشيء، ثم أنشأت تقول هذين البيتين:
حسب من الحبيب بعلمه ... أن المحب ببابه مطروح
فإذا تقلب في الدنا ففؤاده ... بسهام لوعات الهوى مجروح
ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قرأ {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} البقرة 281، فقال: هذه موعظة وعظ الله بها المسلمين، وذلك إن الحور العين تقول لولي الله، وهو متكئ على نهر العسل وهي تعطيه الكأس، وهما في سرور ونعيم: أتدري يا حبيب الله متى