الزواج والرجولة كان صلى الله عليه وسلم مميزًا في شبابه كما هو مميز في طفولته وصباه، فقد برزت فيه أسمى الصفات الخلقية حتى إن قريش لقبته بالأمين، وكانت تضع عنده أماناتها، فلما كانت هذه حاله في قومه فقد جذبت هذه الخصال إليه سيدة قريش وصاحبة التجارة والمال فيهم خديجة بنت خويلد، فأوكلت إليه الاتجار في مالها فكان نعم التاجر الأمين فجرى على يديه لتجارتها نمو كبير، فلما رأت همته وصدقه وأمانته وخصاله الحسنة عرضت عليه الزواج من نفسها وهي بنت الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين فأجابها وتم الزواج، وبقى معها زوجًا وفيًا حتى بلغ الأربعين من العمر.
وكان أعظم ما مر به مع قريش قبل النبوة، أن قريشًا أرادت أن تعيد بناء الكعبة بعد أن تهدم جزء منها ففعلت حتى إذا بلغت موضع الحجر الأسود، وهو حجر معظم فيها اختلفت قريش فيمن يكون له شرف وضع ذلك الحجر في موضعه واشتد خلافهم حتى أوشكوا أن يفتتنوا، إلا أنهم رضوا برأي من أشار عليهم بتحكيم أول مارّ بهم، فكان أول من مرّ بهم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فلما رأوه هللوا جميعًا فرحًا: رضينا بالأمين حكمًا. فعرضوا عيه الأمر، فطلب منهم ثوبًا وضع عليه الحجر الأسود وطلب من كل فريق أن يرشح واحدًا منهم، فرشحت كل قبيلة واحدًا منها، وطلب منهم أن يأتوا فيرفعوه جميعًا، حتى إذا بلغوا به موضعه من الكعبة أخذه هو -صلى الله عليه وسلم - فوضعه في مكانه، فازداد بهذا الحدث ذكره عند قريش وغيرهم.