يرجعُونَ فِي النَّوَازِل إِلَى الْكتاب وَالسّنة فَإِن لم يَجدوا نظرُوا إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة فَإِن لم يَجدوا اجتهدوا وَاخْتَارَ بَعضهم قَول صَحَابِيّ فَرَآهُ الْأَقْوَى فِي دين الله تَعَالَى ثمَّ كَانَ الْقُرْآن الثَّالِث وَفِيه أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل فَإِن مَالِكًا توفّي سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَتُوفِّي أَبُو حنيفَة سنة خمسين وَمِائَة وَفِي هَذِه السّنة ولد الإِمَام الشَّافِعِي وَولد ابْن حَنْبَل سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَكَانُوا على منهاج من مضى لم يكن فِي عصرهم مَذْهَب رجل معِين يتدارسونه وعَلى قريب مِنْهُم كَانَ أتباعهم فكم من قولة لمَالِك ولنظرائه خَالفه فِيهَا أَصْحَابه وَلَو نقلنا ذَلِك لخرجنا من مَقْصُود هَذَا الْكتاب مَا ذَاك إِلَّا لجمعهم آلَات الِاجْتِهَاد وقدرتهم على ضروب الاستنباطات وَلَقَد صدق الله تَعَالَى نبيه ص فِي قَوْله خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ذكر بعد قرنه قرنين أَو ثَلَاثَة والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ فالعجب لأهل التَّقْلِيد كَيفَ يَقُولُونَ هَذَا هُوَ الْأَمر الْقَدِيم وَعَلِيهِ أدركنا الشُّيُوخ وَهُوَ إِنَّمَا أحدث بعد مِائَتي سنة من الْهِجْرَة وَبعد فنَاء الْقُرُون الَّتِي أثنى عَلَيْهِم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو قلت لأَحَدهم مَالك رَحمَه الله مذْهبه مَذْهَب من لم يحز جَوَابا
وَحكى أهل التواريخ أَن الَّذِي أشاع مَذْهَب مَالك رَحمَه الله بالأندلس إِنَّمَا هُوَ عِيسَى بن دِينَار وَإِنَّمَا كَانَ يعْمل بِمذهب الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول فَكيف يدعونَ أَنه هُوَ الْأَثر الْقَدِيم عِنْدهم وَلما أرْغم بعض أهل التَّقْلِيد الْحجَّة واستبانت لَهُ المحجة قَالَ نَحن لَا ننكر أَن أصُول الْفَتْوَى الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس وَلَكِن من بَقِي بشريطة النّظر ويستقل بأعبائه فَنَقُول لَهُم نَحن نقطع إِنَّه مَا من بَاب من الْعلم كَانَ يسْلك فِي عصر مَالك رَحمَه الله إِلَّا وَهُوَ مَفْتُوح إِلَى الْآن لمن شَاءَ أَن يسْلك وَلَا يحْتَاج النَّاظر أَن يكون فِي كل فن لَا رُتْبَة فَوْقه فَإنَّا نعلم قطعا أَن الصَّحَابَة كَانُوا مختلفي الْمَذْهَب وَكَانَ الإِمَام مِنْهُم يستفتى من هُوَ دونه وَيرى أَن نظره نَافِذ وَحكمه مَاض وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَفَوق كل ذِي علم عليم} وَقد مَاتَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وهما لم يستتما حفظ جَمِيع الْقُرْآن وَالرِّوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك مُخْتَلفَة وَكَانَ عمر فِي مجَالِس عدَّة يَسْتَدْعِي الحَدِيث عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض النَّوَازِل مِمَّن حَضَره من الصَّحَابَة