الْفِقْه وَالتَّصَرُّف فِيهَا برد الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول فَالْأول كَانَ شرطا ليأمن الْمُتَصَرف من خرق الْإِجْمَاع وينتهج منهاج الِاقْتِدَاء والاتباع وَالثَّانِي كَانَ شرطا لتَحْصِيل الْعلم لِأَن الْعلم لَا يحصل إِلَّا بطريقة لِأَنَّهُ لَا يثبت ضَرُورَة إِذْ لَو ثَبت ضَرُورَة لاستوى الكافة فِيهِ ومالا يثبت ضَرُورَة فَإِنَّمَا يثبت نظرا وَلما كَانَت الشَّرِيعَة مستندة إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجب أَن يكون النّظر فِيمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي جَاءَ عَنهُ نَوْعَانِ أَقْوَال مسموعة وَأَحْكَام مَوْضُوعَة وَالَّذِي نقل من الْأَقْوَال فنان الْقُرْآن وَالسّنة فَوَجَبَ النّظر فيهمَا بالاستنباط والاستخراج وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم} وَقد يُوجد الْوِفَاق من أهل الْآفَاق على حكم مَا وَإِن لم يلق فِي كتاب وَلَا سنة عَلَيْهِ نَص فَيكون الْوِفَاق طَرِيقا إِلَى إثْبَاته لأَنا نعلم أَن الْعُقَلَاء فِي مجاري الْعِبَادَات مختلفو الرتب والدرجات فِي قُوَّة الْفَرَاغ وميل الْأَغْرَاض ويتفاوتون فِي سبل النّظر وتسديد الْفِكر فيبعد عَادَة أَن يتَّفق الجم وَالْجمع الْكثير فِي مَسْأَلَة فرعية إِلَّا أَن توقيره هَذَا برهَان الْقطع بِحجَّة الْإِجْمَاع وَفِي الْجُمْلَة أَن الْعَمَل بِالْإِجْمَاع يرجع إِلَى الْعَمَل بِالنَّصِّ لِأَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا يتَضَمَّن الْحجَّة وَوَجهه مَا بَيناهُ أَو يكون هُوَ فِي نَفسه حجَّة فيستند إثْبَاته إِلَى السّمع فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم} وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي على الْحق ظَاهِرين وَفِي البُخَارِيّ وَلنْ تزَال هَذِه الْأمة قَائِمَة على الْحق لَا يضرهم من خالفهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله إِلَى أَن قَالَ أما مُجَرّد الِاقْتِصَار على مَحْض التَّقْلِيد فَلَا يرضى بِهِ رجل رشيد ولسنا نقُول إِنَّه حرَام على كل فَرد بل نوجب معرفَة الدَّلِيل وأقاويل الرِّجَال ونوجب على الْعَاميّ تَقْلِيد الْعَالم