يسعنا أَن نفتي بقوله مالم نفهم من أَيْن قَالَ وَرُوِيَ عَن عِصَام بن يُوسُف أَنه قَالَ كنت فِي مأتم فَاجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة من أَصْحَاب أبي حنيفَة زفر بن الْهُذيْل وَأَبُو يُوسُف وعافية بن يزِيد وَآخر فكلهم أَجمعُوا أَنه لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا مالم يعلم من أَيْن قُلْنَاهُ انْتهى قلت وَمعنى قَوْله من أَيْن قُلْنَاهُ أَي مالم يعلم دَلِيل قَوْلنَا وحجته وَفِي كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِشَارَة إِلَى أَنهم لَا يبيحون لغَيرهم أَن يقلدوهم فِيمَا يَقُولُونَ بِغَيْر أَن يعلمُوا دَلِيل قَوْلهم وَهَذَا الَّذِي ذكره أَبُو اللَّيْث نقل فِي خزانَة الرِّوَايَات مثله عَن السِّرَاجِيَّة وَغَيرهَا قَالَ فِي أَعْلَام الموقعين قَالَ شَدَّاد بن حَكِيم عَن زفر بن الْهُذيْل إِنَّمَا نَأْخُذ بِالرَّأْيِ إِذا لم نجد الْأَثر فَإِذا جَاءَ الْأَثر تركنَا الرَّأْي وعملنا بالأثر انْتهى
قلت وَفِي أصُول اللامشي وَلَا عيب على من اتبع الْأَثر فَمن قَالَ إِن الرِّوَايَة حَقِيقَة بِالْعَمَلِ لَا الحَدِيث فقد أهان الحَدِيث والإهانة كفر وَقَالَ شيخ مَشَايِخنَا مُحَمَّد بن حَيَاة قَالَ ابْن الشّحْنَة فِي نِهَايَة النِّهَايَة وَإِن كَانَ أَي ترك الإِمَام الحَدِيث لضعف فِي طَرِيقه فينظران كَانَ لَهُ طَرِيق غير الطَّرِيق الَّذِي ضعفه بِهِ فَيَنْبَغِي أَن تعْتَبر فَإِن صَحَّ عمل بِالْحَدِيثِ وَيكون ذَلِك مذْهبه وَلَا يخرج مقلده عَن كَونه حنفيا بِالْعَمَلِ بِهِ فقد صَحَّ أَنه قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي كَذَا قَالَ بعض مِمَّن صنف فِي هَذَا الْمَقْصُود وَقَالَ فِي الْبَحْر وَإِن لم يستفت وَلَكِن بلغه الْخَبَر وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام أفطر الحاجم والمحجوم وَقَوله الْغَيْبَة تفطر الصَّائِم وَلم يعرف النّسخ وَلَا تَأْوِيله فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ عِنْدهمَا لِأَن ظَاهر الحَدِيث وَاجِب الْعَمَل خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ للعامي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لعدم علمه بالناسخ والمنسوخ قَالَ ابْن الْعِزّ فِي حَاشِيَة الْهِدَايَة قَوْله وَلَو بلغه الحَدِيث وَاعْتَمدهُ يَعْنِي أفطر الحاجم والمحجوم فَكَذَلِك عِنْد مُحَمَّد يَعْنِي أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِذا احْتجم ثمَّ أكل على ظن أَن الْحجامَة فطرته مُعْتَمدًا على الحَدِيث لِأَن قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينزل عَن قَول الْمُفْتِي فِي الْعبارَة مُسَامَحَة بل هُوَ خطأ وَالْأَمر أعظم من ذَلِك وَعَن أبي يُوسُف خلاف ذَلِك يَعْنِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَإِن على الْعَاميّ الِاقْتِدَاء بالفقهاء لعدم الاهتداء فِي حَقه إِلَى معرفَة الْأَحَادِيث فِي تَعْلِيل نظر فَإِن الْمَسْأَلَة إِذا كَانَت مَسْأَلَة النزاع بَين الْعلمَاء وَقد بلغ الْعَاميّ الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ أحد الْفَرِيقَيْنِ كَيفَ يُقَال فِي هَذَا أَنه غير مَعْذُور فَإِن قيل هُوَ مَنْسُوخ فقد تقدم أَن الْمَنْسُوخ مَا يُعَارضهُ وَمن سمع الحَدِيث فَعمل بِهِ وهومنسوخ فَهُوَ مَعْذُور إِلَى أَن يبلغهُ النَّاسِخ وَلَا يُقَال لمن سمع الحَدِيث الصَّحِيح لَا تعْمل بِهِ حَتَّى تعرضه على رَأْي فلَان أَو فلَان وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ أنظر هَل هُوَ مَنْسُوخ أم لَا أما إِذا كَانَ الحَدِيث قد اخْتلف فِي نسخه كَمَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فالعامل بِهِ فِي غَايَة الْعذر فَإِن تطرق الِاحْتِمَال إِلَى خطأ الْمُفْتِي أولى من تطرف الِاحْتِمَال إِلَى نسخ مَا سَمعه من الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ وَأَيْضًا فالمنسوخ من السّنة فِي غَايَة الْقلَّة وَقد جمعه ابْن الْجَوْزِيّ فِي وَرَقَات وَقَالَ أفرد فِيهَا قدر مَا صَحَّ نسخه أَو احْتمل وَأعْرض عَمَّا لَا وَجه لنسخه وَلَا احْتِمَال وَقَالَ