لَهُم فِي الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة خلاف ذَلِك لم يلتفتوا إِلَيْهِ وَلم يَأْخُذُوا بِشَيْء مِنْهُ إِلَّا بقول من قلدوه وَكتاب عمر من أعظم الْأَشْيَاء وأكثرها لقَولهم بطلانا وَهَذَا كَانَ سير السّلف الْمُسْتَقيم وهديهم القويم فَلَمَّا انْتَهَت الْفَتْوَى إِلَى الْمُتَأَخِّرين سَارُوا عكس هَذِه السّير وَقَالُوا إِذا نزلت هَذِه النَّازِلَة بالمفتي أَو الْحَاكِم فَعَلَيهِ أَن ينظر أَولا هَل فِيهَا خلاف أَو لَا فَإِن لم يكن فِيهَا خلاف لم ينظر فِي كتاب وَلَا سنة بل يُفْتِي وَيَقْضِي فِيهَا بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ فِيهَا اخْتِلَاف اجْتهد فِي أقرب الْأَقْوَال إِلَى الدَّلِيل فَأفْتى بِهِ وَحكم بِهِ وَهَذَا خلاف مادل عَلَيْهِ حَدِيث معَاذ وَكتاب عمر وأقوال الصَّحَابَة وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة أولى فَإِنَّهُ مَقْدُور مَأْمُور فَإِن علم الْمُجْتَهد بِمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة أسهل عَلَيْهِ بِكَثِير من علمه بِاتِّفَاق النَّاس فِي شَرق الأَرْض وغربها على الحكم وَهَذَا إِن لم يكن متعذرا فَهُوَ أصعب شَيْء وأشقه إِلَّا فِيمَا هُوَ من لَوَازِم الْإِسْلَام فَكيف يحيلنا الله تَعَالَى وَرَسُوله ص على مَالا وُصُول لنا إِلَيْهِ وَيتْرك الْحِوَالَة على كِتَابه وَسنة رَسُوله اللَّذين هدَانَا بهما ويسرهما لنا وَجعل لنا إِلَى معرفتهما طَرِيقا سهلة التَّنَاوُل من قرب ثمَّ مَا يدريه فَلَعَلَّ النَّاس اخْتلفُوا وَهُوَ لَا يعلم وَلَيْسَ عدم الْعلم بالنزاع علما بِعَدَمِهِ فَكيف يقدم عدم الْعلم على أصل الْعلم كُله ثمَّ كَيفَ يسوغ ترك الْحق الْمَعْلُوم إِلَى أَمر لَا علم لَهُ بِهِ وغايته أَن يكون موهوما وَأحسن أَحْوَاله ان يكون مشكوكا فِيهِ شكا مُتَسَاوِيا أَو راجحا ثمَّ كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا على رَأْي من يَقُول إِن انْقِرَاض عصر المجمعين شَرط فِي صِحَة الْإِجْمَاع فَمَا لم ينقرض عصرهم فَلِمَنْ نَشأ فِي زمنهم أَن يخالفهم فَصَاحب هَذِه الشكوك لَا يُمكنهُ أَن يحْتَج بِالْإِجْمَاع حَتَّى يعلم أَن الْعَصْر انقرض وَلم ينشأ فِيهِ مُخَالف لأَهله وَهل أحَال الله تَعَالَى الْأمة فِي الاهتداء بكتابه وَسنة رَسُوله ص على مَا لَا سَبِيل لَهُم إِلَيْهِ وَلَا اطلَاع لأفرادهم عَلَيْهِ وَترك إحالتهم على مَا هُوَ بَين أظهرهم حجَّة عَلَيْهِم بَاقِيَة إِلَى آخر الدَّهْر متمكنون من الاهتداء بِهِ وَمَعْرِفَة الْحق مِنْهُ هَذَا من أمحل الْمحَال
وَحين نشأت هَذِه الطَّرِيقَة تولدت عَنْهَا مُعَارضَة النُّصُوص بِالْإِجْمَاع الْمَجْهُول وَفتح بَاب دَعْوَاهُ وَصَارَ من لم يعرف الْخلاف من المقلدين إِذا احْتج عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ وَالسّنة قَالَ هَذَا خلاف الْإِجْمَاع وَهَذَا هُوَ الَّذِي أنكرهُ أَئِمَّة الْإِسْلَام وعابوا من كل نَاحيَة على من يرتكبه وكذبوا من ادَّعَاهُ فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله من ادّعى الْإِجْمَاع فَهُوَ كَاذِب لَعَلَّ النَّاس اخْتلفُوا وَلم يبلغهُ هَذِه دَعْوَى بشر المريسي والأصم وَلَكِن يَقُول لَا نعلم النَّاس اخْتلفُوا أَو لم يبلغنَا وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي كَيفَ يجوز للرجل أَن يَقُول أَجمعُوا إِذا سمعتهم يَقُولُونَ أَجمعُوا فَاتَّهمهُمْ لَو قَالَ إِنِّي لم أعلم مُخَالفا كَانَ صَوَابا وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب هَذَا كذب مَا علم أَن النَّاس يجمعُونَ وَلَكِن يَقُول مَا أعلم فِيهِ اخْتِلَافا فَهُوَ أحسن من قَوْله أجمع النَّاس وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْحَرْث لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَدعِي الْإِجْمَاع لَعَلَّ النَّاس اخْتلفُوا وَلم تزل أَئِمَّة الْإِسْلَام على تَقْدِيم