هَذَا هُوَ الْمنزل وَإِن كَانَت قد ثبتَتْ لَهُ الدّلَالَة فِي خلاف قَول من قَلّدهُ فقد علم أَن تَقْلِيده فِي خِلَافه اتِّبَاع لغير الْمنزل وَقَالَ {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} فمنعنا سُبْحَانَهُ من الرَّد إِلَى غَيره وَغير رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مُبْطل للتقليد وَقَالَ {أم حسبتم أَن تتركوا وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَلم يتخذوا من دون الله وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤمنِينَ وليجة} وَلَا وليجة أعظم من جعله رجلا بِعَيْنِه مُخْتَارًا على كَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَلَام سَائِر الْأَئِمَّة يقدمهُ على ذَلِك كُله ويعرض كتاب الله وَسنة رَسُوله وَإِجْمَاع الْأمة على قَوْله فَمَا وَافقه مِنْهَا قبله لموافقته لقَوْله وَمَا خَالفه مِنْهَا عطف فِي رده وتطلب لَهُ وُجُوه الْحِيَل فَإِن لم تكن هَذِه الوليجة فَلَا نَدْرِي مَا الوليجة وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم تقلب وُجُوههم فِي النَّار يَقُولُونَ يَا ليتنا أَطعْنَا الله وأطعنا الرسولا وَقَالُوا رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} وَهَذَا نَص فِي إبِْطَال التَّقْلِيد
فَإِن قيل إِنَّمَا ذمّ من قلد من أضلّهُ السَّبِيل وَأما من هداه السَّبِيل فَأَيْنَ ذمّ تَقْلِيده
قلت جَوَاب هَذَا السُّؤَال فِي نفس السُّؤَال فَإِنَّهُ لَا يكون العَبْد مهتديا حَتَّى يتبع مَا أنزل الله تَعَالَى على رَسُوله فَهَذَا الْمُقَلّد إِن كَانَ يعرف مَا أنزل الله تَعَالَى فَهُوَ مستهد وَلَيْسَ بمقلد وَإِن لم يعرف مَا أنزل الله تَعَالَى على رَسُوله فَهُوَ ضال جَاهِل بِإِقْرَارِهِ على نَفسه فَمن أَيْن يعرف أَنه على هدى فِي تَقْلِيده وَهَذَا جَوَاب كل سُؤال يُورد فِي هَذَا الْبَاب فِي أَنهم إِنَّمَا يقلدون أهل الْهدى فهم فِي تقليدهم على هدى
فَإِن قيل فَأنْتم تقرون أَن الْأَئِمَّة المقلدين فِي الدّين على هدى فمقلدوهم على هدى قطعا لأَنهم سالكون خَلفهم
قيل سلوكهم خَلفهم مُبْطل لتقليدهم لَهُم قطعا فَإِن طريقتهم كَانَت اتِّبَاع الْحجَّة وَالنَّهْي عَن تقليدهم كَمَا تقدم نَقله عَنْهُم فَمن ترك الْحجَّة وارتكب مَا نهوا عَنهُ وَنهى الله تَعَالَى وَرَسُوله ص عَنهُ قبلهم فَلَيْسَ على طريقتهم بل هُوَ من الْمُخَالفين لَهُم وَإِنَّمَا يكون على طريقتهم من اتبع الْحجَّة وانقاد للدليل وَلم يتَّخذ رجلا بِعَيْنِه سوى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجعله مُخْتَارًا على الْكتاب وَالسّنة يعرضهما على قَوْله وَبِهَذَا يظْهر بطلَان فهم من جعل التَّقْلِيد اتبَاعا وإبهامه وتلبيسه بل هُوَ مُخَالف لِلِاتِّبَاعِ وَقد فرق الله تَعَالَى وَرَسُوله ص وَأهل الْعلم بَينهمَا فَإِن الِاتِّبَاع سلوك طَرِيق المتبع والإتيان بِمثل مَا أَتَى بِهِ انْتهى كَلَام صَاحب أَعْلَام الموقعين
وَقد تقدم الْفرق بَينهمَا فِي الْمُقدمَة فَلَا وَجه للإعادة وَالله تَعَالَى أعلم