عَنهُ وَلَو خَالفه من بَين الْمشرق وَالْمغْرب ومعاذ الله أَن تتفق الْأمة على ترك مَا جَاءَ بِهِ نَبينَا ص بل لَا بُد أَن يكون فِي الْأمة من قَالَ بِهِ وَلَو خَفِي عَلَيْك فَلَا تجْعَل جهلك بالقائل حجَّة على الله تَعَالَى وَرَسُوله ص فِي تَركه بل اذْهَبْ إِلَى النَّص وَلَا تضعف وَاعْلَم أَنه قد قَالَ بِهِ قَائِل قطعا وَلَكِن لم يصل إِلَيْك علمه هَذَا مَعَ حفظ مَرَاتِب الْعلمَاء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم فِي حفظ الدّين وَضَبطه فهم رَضِي الله عَنهُ دائرون بَين الْأجر والأجرين وَالْمَغْفِرَة وَلَكِن لَا يُوجب هَذَا إهدار النُّصُوص وَتَقْدِيم قَول الْوَاحِد مِنْهُم عَلَيْهَا بِشُبْهَة أَنه أعلم مِنْك فَإِن كَانَ كَذَلِك فَمن ذهب إِلَى النُّصُوص أعلم فَهَلا وافقته إِن كنت صَادِقا فَمن عرض أَقْوَال الْعلمَاء على النُّصُوص ووزنها بهَا وَخَالف مِنْهَا مَا خَالف النَّص لم يهدر أَقْوَالهم وَلم يهضم جانبهم بل اقْتدى بهم فَإِنَّهُم كلهم أمروا بذلك بل مخالفتهم فِي ذَلِك أسهل من مخالفتهم فِي الْقَاعِدَة الْكُلية الَّتِي أمروا بهَا ودعوا إِلَيْهَا من تَقْدِيم النَّص على أَقْوَالهم وَمن هَذَا تبين الْفرق بَين تَقْلِيد الْعَالم فِي جَمِيع مَا قَالَ وَبَين الِاسْتِعَانَة بفهمه والاستضاءة بِنور علمه فَالْأول يَأْخُذ قَوْله من غير نظر فِيهِ وَلَا طلب دَلِيله من الْكتاب وَالسّنة والمستعين بإفهامهم يجعلهم بِمَنْزِلَة الدَّلِيل فَإِذا وصل اسْتغنى بدلالته عَن الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ فَمن اسْتدلَّ بِالنَّجْمِ على الْقبْلَة لم يبْق لاستدلاله معنى إِذا شَاهدهَا
قَالَ الشَّافِعِي أجمع النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد وَمن هَذَا تبين الْفرق بَين الحكم الْمنزل الْوَاجِب الِاتِّبَاع وَالْحكم المؤول الَّذِي غَايَته أَن يكون جَائِز الِاتِّبَاع بِأَن الأول هُوَ الَّذِي أنزل الله تَعَالَى على رَسُوله ص متلوا أَو غير متلو إِذا صَحَّ وَسلم من الْمُعَارضَة وَهُوَ حكمه الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَلَا حكم لَهُ سواهُ وَإِن الثَّانِي أَقْوَال الْمُجْتَهدين الْمُخْتَلفَة الَّتِي لَا يجب اتباعها وَلَا يكفر وَلَا يفسق من خالفها فَإِن أَصْحَابهَا لم يَقُولُوا هَذَا حكم الله وَرَسُوله قطعا وحاشاهم عَن قَول ذَلِك وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّهْي عَنهُ فِي قَوْله وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله ص فَلَا تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَلَا ذمَّة نبيه وَلَكِن اجْعَل لَهُم ذِمَّتك وَذمَّة أَصْحَابك فَإِنَّكُم إِن تخفروا ذممكم وَذمَّة أصحابكم أَهْون من أَن تخفروا ذمَّة الله وَرَسُوله ص وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تنزلهم على حكم الله فَلَا تنزلهم على حكم الله وَلَكِن أنزلهم على حكمك فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله أم لَا أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَمُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث بُرَيْدَة بل قَالُوا اجتهدنا رَأينَا فَمن شَاءَ قبله وَمن شَاءَ لم يقبله وَلم يلْزم أحد مِنْهُم بقول الْأَئِمَّة قَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة هَذَا رَأْيِي فَمن جَاءَ بِخَير مِنْهُ قبلته انْتهى وَلَو كَانَ هُوَ عَن حكم الله لما سَاغَ لأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَغَيرهمَا مُخَالفَته فِيهِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك لما استشاره هَارُون الرشيد فِي أَن يحمل النَّاس على مَا فِي الْمُوَطَّأ فَمَنعه من ذَلِك وَقَالَ قد تفرق أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبِلَاد