حنبليٍّ ولي دمشق-: أنّه امتنعَ منه الامتناع الكلي، حتّى قال السلطان: إما أن يلي، وإما أن يتحوَّلَ من بلادي، وأنه كان عزمَ على التحوُّل، وأنه ترامى عليه أصحابُه وأهلُه وإخوانُه، وقالوا: هذا أمر لا يحصُل به إلا الخيرُ، وإن كان قصدُك الخيرَ، حصل لك به من العدل، وإعانة الملهوف، وغير ذلك، فولي.
وله في ولايته الحكايات العجيبة. ثمّ لما مات، أوصى أن لا يُدفن عند أبيه؛ لأنه ولي القضاء، ويخاف أن يشوش عليهم، ودُفن خلف الحائط.
ولما ولي صالحُ بنُ الإمامِ أحمدَ قضاءَ سمرقندَ، ودخل إليها، واجتمع عليه علماؤها، وقرئ عهدُه، أخذه البكاءُ الشديدُ والإنتحابُ، فظنّ الفقهاءُ والعلماءُ أن ذلك لفراق أهله وبلاده، فأخذوا يُسلّونه عند ذلك، وأنّها بلادٌ جيدة، وبها العلماءُ والأجواد، والخير الكثير، فقال: والله! ليس بكائي لذلك، فقالوا: فلأيِّ شيء هو؟ فقال: إنما هو لأن أبي -رَحِمَهُ اللهُ- كان يَعِزُّ عليه أن يراني بهذا المجلس.
وحضرنا مرةً عند قانصوه نائبِ دمشق، فقال بعضُ الإخوان له: أَمْسِ جاءنا إلى الصالحية: أن القاضيَ الحنبليَّ ولّي الشيخَ، وخلع عليه خِلْعة، فقال لي: حَقٌّ هذا؟ فقلت: لا، ما فعلتُه ولا أفعلُه، فقال: إنّما هلك. وأوصيك على خمسة أشياء قطّ لا تفعلْها، فقلت: وما هي؟ فقال: أولُها: لا تضمنَنَّ أحداً، فقلتُ: نعم، وأنا حالفٌ على هذا أن لا أفعله.
فقلت: والثاني؟ فقال: لا تعملنَّ وكيلاً لأحد، فقلت: نعم.