وقال له رجاءُ بنُ حيوةَ: يا أمير المؤمنين! إذا أردتَ النجاة غدًا من عذاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فأحبَّ للمسلمين ما تحبُّ لنفسك، واكرهْ لهم ما تكرهُ لنفسك، ثم مُتْ إذا شئت.
وإني أقول لك هذا، وإني لأخافُ عليك أشدَّ الخوف من يومٍ تزلُّ فيه الأقدام، فهل معك مثلُ هذا -رحمك الله-، أو من يأمرُك بمثل هذا؟ فبكي هارونُ حتى غُشي عليه. فقلت له: ارفقْ بأميرِ المؤمنين -رحمك الله-، فقال: يا بن أم الربيع! تقتلُه أنت وأصحابُك، وأرفُقُ به أنا؟! قال: فأفاق هارون، ثم استوى جالسًا، فقال: زدني، فقال: يا أمير المؤمنين! بلغني أن واليًا لعمرَ بنِ عبد العزيزِ شُكي إليه، فكتب إليه: يا أخي! أذكّرك طولَ سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإنَّ أجلك يطردُك إلي الموت نائمًا ويقظانًا، وإياكَ أن ينصرف بك من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فيكون آخر العهد، وينقطع الرجاء. فلما قرأ الكتاب، طوى البلاد حتى قَدِم على عمر، فقال: ما أقدمَكَ؟ قال: قد خلعْتَ قلبي بكتابك، ولا أعودُ إلي ولاية حتى ألقي الله -عَزَّ وَجَلَّ-. فبكي هارون حتى غُشي عليه، ثم استوى جالسًا، فقال: زدني- يرحمك الله-، قال: إن أباك عمَّ المصطفي - صلى الله عليه وسلم - سأل المصطفي - صلى الله عليه وسلم -: فقال: أمِّرْني، فقال: "يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ! نَفْسٌ تُحْيِيهَا خَيْر مِنْ إِمَارَة لَا تُحْصِيهَا؛ فَإِنَّ الإِمْرَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قال: زدني، قال: يا حسن الوجه! أنت الذي يسألك الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجهَ الحسنَ من النار، فافعل، ولا تصبح وتمسي وفي قلبك لأحدٍ